
أكادير بين إنتظار المستشفى الجامعي وحق المواطنين في الصحة
بداية، تحية تقدير وإجلال لكل الأصوات الحرة التي إرتفعت دفاعا عن الحق في الصحة والحق في الحياة، أمام بوابة مستشفى الحسن الثاني بأكادير، صرخة في وجه الإهمال وإرتجال التدبير. فوضعية هذا المستشفى لم تعد تليق بمدينة كأكادير، والتي يثم تسويقها كقطب حضري وسياحي وإقتصادي محوري في جهة سوس ماسة، إذ غدا الترقيع عنوانا لمسار صحي يترتب عنه أثمان بشرية فادحة، كان آخرها المآسي المتتالية في قسم الولادة.
المستشفى الجامعي”CHU “بأكادير، الذي انطلقت أشغاله منذ 2018 بميزانية ضخمة تناهز 2,3 مليار درهم وبطاقة استيعابية تقارب 867 سريرا، ظل مشروعا مؤجلا رغم بلوغ الأشغال نسبا متقدمة جدا، وكان مبرمجا افتتاحه قبل 2025. صرح طبي يتضمن أقساما متخصصة في الأورام، جراحة القلب، الطوارئ الكبرى، إضافة إلى وحدات البحث الطبي وتكوين الأطر الصحية، لكنه ظل رهين بطء إداري وتقني عطل ميلاده في زمنه المناسب.
غير أنه وإن بدت فكرة إغلاق مستشفى الحسن الثاني مؤقتا قصد إعادة تأهيله جذريا أكثر وجاهة من الترقيعات المتناثرة، فإنها تظل رهينة بشرط أساسي لا محيد عنه، وهو الإسراع في جاهزية المستشفى الجامعي الجديد لاستقبال المرضى، وإلا تحولت المغامرة إلى كارثة صحية، إذ ستترك الجهة بلا مستشفى مرجعي قادر على إستيعاب الحالات الحرجة.
إن الحل لا يكمن في المفاضلة بين خراب قائم ومشروع معطل، بل في مقاربة عقلانية تبدأ بتسريع افتتاح المستشفى الجامعي ولو بشكل تدريجي، عبر تشغيل أقسام الطوارئ والولادة والعمليات الجراحية أولا، مع نقل المرضى تدريجيا من مستشفى الحسن الثاني إلى هذا الصرح الجديد، ثم إغلاق مستشفى الحسن الثاني لمدة محدودة زمنيا لإخضاعه لتهيئة شاملة، ليعود لاحقا في صورة مستشفى جهوي مكمل يخفف الضغط عن المستشفى الجامعي. بذلك يتحقق التكامل المنشود، حيث يضطلع CHU بدور مرجعي في البحث والتخصصات الكبرى، فيما يتكفل مستشفى الحسن الثاني بعد إصلاحه بالخدمات الأساسية وإستيعاب الحالات العادية، فيتنفس جسد المنظومة الصحية بمدينة أكادير ويستعيد المريض حقه المهدور في العلاج بكرامة.
إن مستقبل الصحة بأكادير، وفي عمق جهة سوس ماسة، لن يقاس بعدد المشاريع المعلنة أو الموازنات المرصودة، بل بقدرة الدولة على تحويل هذه الأوراش الكبرى إلى واقع يلمسه المواطن في لحظة مرضه. فالمستشفى الجامعي ليس مجرد بناية إسمنتية ضخمة، بل هو عنوان لعدالة مجالية طال إنتظارها، وتجسيد لإرادة ملكية واضحة في جعل أكادير قطبا وسط المملكة. وإذا ما تحقق التكامل بين هذا الصرح المرتقب ومستشفى الحسن الثاني بعد إعادة تأهيله، فإن المدينة ستتحول إلى رافعة صحية حقيقية تحتضن المرضى من الأطلس والساحل والجنوب، وتضع حدا لرحلة المعاناة نحو مراكش أو الدار البيضاء أو الرباط . إن الرهان اليوم هو إستباق المستقبل بعقلانية، ووضع حد للنزيف البشري الذي تكشفه كل فاجعة صحية، حتى تصبح أكادير نموذجا وطنيا في الحق في الصحة والعلاج المناسب ، لا بؤرة للموت والاحتجاج والمرارة.
ذ/ الحسين بكار السباعي