
صفات عباد الرحمن
عبد الرحمان سورسي
الحمد لله رب العالمين .القائل سبحانه وهو أصدق القائلين: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر.
اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن العبد إمّا يكون عبداً لله عزّ وجل الذي خلقه وأكرمه، وإمّا يكون عبداً لشهواته وللشيطان الرجيم وللطاغوت، وشتّان ما بينهما، وإذا أمعنّا النّظر في سلوك وأخلاق كلٍ منهما لاستطعنا التعرّف على أهم صفاتهما، فعباد الرّحمن هم عباد الله الصّالحين الذين يتّصفون بطهارة القلب واستقامة اللّسان، والصّادقين في القول والعمل، والذين يُؤثِرون النّاس على أنفسهم ويسعون في تقديم الخير، ويترفّعون عن سفاهات الأمور، أمّا عباد الشيطان فيتّصفون بالظّلم، والأنانيّة، والتكبّر، والقسوة، والغِلظة، وفُحش اللّسان.
معاشر السادة والسيدات، لقد تداركنا الله برحمته بأن وفقنا لمتابعة وتقديم ما تيسر من صفات عباد الرحمن. وإن من أهم الصّفات العظيمة التي يتحلّى بها عباد الله الصالحون، واستحقّوا بأعمالهم واستقامتهم تشريفهم ونسبهم للرّحمن، فهم خلاصة البشرية في سبيل جهاد النفس الطّويل بين الحقّ والباطل، وهم نموذج واقعيّ ومثال للمسلم الذي ينشأ على نهج الإسلام الصّحيح، وبالتّالي يستحقّ ولاية ورعاية الله عز وجل، وأهم صفات عباد الرّحمن التي وردت في سورة الفرقان بقوله تعالى : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا*………..إلى قوله تعالى: * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا* خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا*). وفيما يأتي الصفات التي حثّت عليها الآيات الكريمة:
الصفة الأولى :التّواضع في المشي
الصفة الثانية:الترفّع عن السّفاهات
الصفة الثالثة: قيام الليل والتهجّد والدّعاء.
الصفة الرابعة: الاعتدال في الإنفاق:
إلى ٱخر الصفات الواردة في سورة الفرقان.
وإليكم ما جاء في تفسير الصفة الأولى من صفات عباد الرحمن.
إنطلاقا من قوله تعالى في سورة الفرقان: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا )
أيها الإخوة والأخوات:
هذه هي الصفة الأولى لصفات عباد الرحمن، أنهم يمشون على الأرض بتواضع دون تكلّف، ولا تصنُّع ولا خيلاء، فتظهر نفسهم المطمئنة الساكنة من خلال مشيهم الوقور الساكن والقوي بالوقت ذاته، دون تذلل أو انكسار أو تنكيس الرؤوس.
الترفّع عن السّفاهات:
أيها المسلمون والمسلمات. هذه الآيات الكريمات تتجلى فيها صفات عباد الرحمن وأخلاقهم الحميدة مع الله، ومع عباده أنواراً تهدي إلى صلاح الدنيا والآخرة.
إنها أعمال صالحة وسلوكيات فاضلة تبني مجتمعاً يرفرف فيه الأمن والطهر والعدل والاستقامة.
إن هؤلاء المتصفين بهذه الصفات ليسوا عباداً لأحد، إنما هم عباد لله وحده، لا يعبدون سواه ولا يقدمون طاعة أحد على طاعته.
وبذلك عباد الرحمن صاروا أعزة مرفوعي الرؤوس لا يحنونها لغير خالقها جل وعلا.
فمن صفاتهم الحسنة: التواضع، وخفض الجناح للمؤمنين، فليسوا متكبرين ولا متجبرين، ولا متعالين ولا مغرورين. أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين، لم يزدهم تواضعهم إلا رفعة وسموًّا، ليكون ذلك ثواباً عاجلاً من عند الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تواضع لله رفعه الله)[2].
لقد عُرف التواضع خلقاً راسخاً من أخلاق رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي قال له ربه تعالى:
﴿ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88]. ومن تتبع سيرته عليه الصلاة والسلام وجد مصداق ذلك.
فعن أنس رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة، فقال لها: (يا أم فلان، اجلسي في أي نواحي السكك شئت حتى أجلس إليك) [3]. وعنه رضي الله عنه قال: (كان رسول الله يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب) [4].
وعنه رضي الله عنه قال: (لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله، قال: وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك) [5]. وقيل لعائشة رضي الله عنها: ماذا كان يعمل رسول الله في بيته؟ قالت: ( كان بشرا من البشر: يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه)[6]
ففي التواضع قال تعالى في هذه الآيات: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾.
عباد الله، ومن صفات عباد الرحمن، أنهم أهل عفو وصفح، فإذا آذاهم السفهاء بالقول أجابوهم بالمعروف، وخاطبوهم خطاباً لطيفاً يسلمون فيه من الإثم ومن مقابلة الجاهل بجهله.
أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه الآية من القرآن الكريم تُشير إلى خلق التواضع ، وخلق التواضع من صفات المؤمنين ، فمن كان في قلبه مثقال ذرّة من كِبْر فقد انْسلخَ عن الإيمان . وفي صحيح مسلم أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد ))
[ رواه مسلم عن عياض بن حمار]
وفي صحيح مسلمٍ أيضًا أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال ، وهذا حديث خطير:
(( لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال.
أكتفي بهذا النزر اليسير. راجيا من الله العلي القدير أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويزيدنا علما. ٱمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين