مجتمع

مراجعة جديدة لمدونة الأسرة: الرهان العسير‎‎

الدكتور محمد التهامي الحراق
مع الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش، تجدد النقاش حول مدونة الأسرة. ظهرت أصوات تمجد تأكيد أمير المومنين على توقير الشرع بقوله:  “..فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله ، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”، فيما شكلت هذه الفقرة موضع وموضوع تأويل من لدن أصوات مقابلة…ويؤسف استعمال نعوت غير دقيقة تنعت الأصوات الأولى ب”المحافظين” والثانية ب”الحداثيين”. لكن الفريقين لم ينتبها في الغالب إلى بقية الفقرات المتصلة بالفقرة السابقة والموجهة لها، وهي قول أمير المومنين: “ومن هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”. إنها معالم ما كان قد دعاه الخطاب الملكي بجامع القرويبن، بمناسبة تنصيب المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بفاس بتاريخ 14\06\2016؛ ما كان قد دعاه أمير المومنين ب”الفكر الديني المتنور”، وهو الفكر الذي يوازن بين النص والواقع، بين العقل والنقل، بين الشريعة والحقيقة. كما أنه الفكر الذي ينبني على الروح المقاصدية للدين، ومراعاة الصيرورة الاجتماعية، وعلى “اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”. الغريب أن جل المتحدثين باسم الاتجاهين أعلاه، لا يستحضرون معالم هذا الفكر، فيما عليه المُعوَّل في حل الإشكالات المطروحة بعيدا عن لغة التبديع والتفسيق والتضليل، أو لغة الاتهام بالرجعية والانغلاق وإنكار المواثيق الحقوقية الدولية.
ثمة إمكان مغربي أصيل ومتطلع لإعمال الاجتهاد المقاصدي عند النظر في النص، بحيث يتم تقديم مراجعة جديدة لمدونة الأسرة، والحفاظ على حقوق كل أطرافها واحترام القيم الإنسانية الكونية المنشودة؛ تحقيق وبلوغ ذلك بالنص الديني لا بإلغائه….لكن ذلك مثلما تفسده القراءة الحداثوية المقصية للدين، تفسده أيضا القراءة الحرفية للدين. بينما يؤسس الفكر الديني المتنور لمجاوزة المأزقين. ذاك هو الرهان العسير على الفريقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 + 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض