
الإدارة المغربية بين نزيف الكفاءات بسبب التقاعد وغياب البديل
مع دخول الحكومة المغربية سنتها الثالثة، يبدو أنها لم تولِ الاهتمام الكافي لأحد أخطر الملفات التي تواجه الإدارة المغربية في السنوات الخمس المقبلة، والمتمثل في النقص الحاد في الكفاءات والأطر العليا. هذا الملف، الذي يحظى باهتمام كبير في الأوساط الأكاديمية والإدارية، يهدد قدرة القطاعات الحكومية على الاستجابة لتحديات التنمية والإصلاح قبل حلول موعد فعاليات مونديال 2030.
وفقاً لدراسات علمية أعدها خبراء في الشؤون الإدارية، فإن الإدارة المغربية ستواجه نقصاً هائلاً في الكفاءات بسبب المغادرة الطوعية وإحالة عدد كبير من الموظفين على التقاعد، الشيء الملفت أن الحكومة لم تتخذ أي خطوات ملموسة للتصدي لهذا التحدي، بل إن بعض الوزارات، وعلى رأسها وزارة الداخلية، تستمر في “تجميد” مئات مناصب الشغل، خاصة على مستوى الجماعات المحلية، رغم الحاجة الملحة للأطر المتخصصة في مختلف القطاعات.
أبرز القطاعات التي تعاني من خصاص كبير في الكفاءات تشمل الصحة، المعادن، الداخلية، والتجهيز، حيث تقدم العشرات من الموظفين طلبات المغادرة الطوعية نظراً لتدني الرواتب والتعويضات مقارنة بمتطلبات العيش وتزايد أعباء العمل، هذا الواقع دفع العديد من الكفاءات إلى البحث عن فرص عمل أخرى خارج الإدارة المغربية أو التقاعد المبكر أو حتى الهجرة سواء للديار الأوربية أو الكندية.
التوقعات تشير إلى أن المؤسسات العمومية والوزارات ستشهد خلال الخمس سنوات المقبلة فراغاً كبيراً في الكفاءات بسبب التقاعد الجماعي والمغادرة الطوعية، حيث كشف تقرير حديث حول الموارد البشرية، المصاحب لمشروع قانون المالية 2025، أن حوالي 70 ألف موظف وموظفة سيحالون على التقاعد بين عامي 2023 و2027.
وفيما يخص المعطيات الصادرة عن الصندوق المغربي للتقاعد، فمن المتوقع أن يبلغ عدد المحالين على التقاعد بسبب بلوغ السن القانوني حوالي 64.979 موظفاً خلال نفس الفترة، ويتصدر قطاعا التربية الوطنية والتعليم العالي القائمة، حيث سيحال 33.017 موظفاً على التقاعد، أي ما يعادل 14.4% من مجموع موظفي القطاعين، كما ستشهد وزارة الداخلية إحالة 13.550 موظفاً على التقاعد، تليها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بـ 5637 موظفاً، ووزارة الاقتصاد والمالية بـ 1583 موظفاً، ووزارة العدل بـ 2037 موظفاً، وهي نسب تشكل تحدياً كبيراً للإدارة المغربية التي تعاني أصلاً من “الشيخوخة” وغياب الاستراتيجية الواضحة لتأهيل الخلف وصناعة أطر جديدة قادرة على ملء هذا الفراغ.
أمام هذا التحدي، يبدو أن الحكومة تواجه معضلة كبرى، فالميزانيات الفرعية للوزارات، التي ستعرض قريباً على البرلمان، تظهر تراجعاً مستمراً في مناصب الشغل المخصصة للقطاعات الحكومية. هذا التوجه سيزيد من صعوبة مواجهة أزمة الشيخوخة الإدارية التي تعاني منها الدولة، وسيؤدي إلى تفاقم مشكلات التسيير والخدمات العمومية.
وتعد الاستعدادات لفعاليات مونديال 2030 فرصة لتسليط الضوء على أهمية الاستثمار في الكفاءات البشرية، فالنجاح في تنظيم هذه البطولة الرياضية الكبرى سيتطلب إدارة قوية وفعالة، قادرة على التعامل مع الضغوط والتحديات الكبيرة التي سترافق التحضيرات والتنظيم.