
ثلث المؤسسات التعليمية تفتقر للمراحيض اللائقة
في جلسة برلمانية عُقدت بتاريخ 10 أكتوبر 2024، أثار غياب المراحيض اللائقة في عدد كبير من المؤسسات التعليمية المغربية نقاشًا حادًا تحت قبة البرلمان. كشف النواب خلال الجلسة عن معطيات صادمة تُظهر أن ثلث المدارس في البلاد، تفتقر إلى مراحيض ملائمة، مما يعكس تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية في قطاع التعليم. هذه القضية دفعت عددًا من النواب إلى مطالبة الحكومة بالتدخل العاجل لإيجاد حلول ملموسة وفعالة لهذه المشكلة التي تؤثر بشكل مباشر على حياة التلاميذ اليومية وصحتهم.
إحصائيات مقلقة: ثلث المدارس دون مرافق صحية لائقة
وفقًا لإحصائيات حديثة قدمتها وزارة التربية الوطنية في تقرير حول حالة البنية التحتية المدرسية، فإن ثلث المؤسسات التعليمية في المغرب تعاني من غياب المراحيض أو وجود مرافق صحية غير لائقة، ويأتي هذا في وقت يُقدَّر فيه عدد المؤسسات التعليمية العمومية بحوالي 11,000 مدرسة، مما يعني أن أكثر من 3,600 مدرسة تعاني من نقص في المرافق الصحية، هذه الإحصائيات كشفت عن مدى تفاقم الوضع، خصوصًا في المناطق القروية والنائية، حيث تصل نسبة المدارس التي تفتقر إلى مراحيض لائقة إلى أكثر من 40% في بعض المناطق.
النواب يرفعون الصوت: دعوات لتدخل فوري
خلال الجلسة البرلمانية، طرح النائب محمد خياري عن حزب التقدم والاشتراكية هذه القضية بقوة، مشيرًا إلى أن هذا الوضع غير مقبول في ظل التزام المغرب بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ودعا إلى ضرورة تخصيص ميزانية واضحة لتحسين البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، بما في ذلك بناء مراحيض لائقة وصيانتها بانتظام. وأضاف خياري أن الحكومة يجب أن تتحمل مسؤوليتها في ضمان بيئة تعليمية صحية وآمنة للتلاميذ، خاصة في المناطق التي تشهد تهميشًا تنمويًا.
من جهتها، تطرقت النائبة فاطمة الزهراء بوتعدي عن حزب الاستقلال إلى تأثير هذا الوضع على التحصيل الدراسي للتلاميذ، خصوصًا الفتيات، مؤكدة أن غياب المراحيض اللائقة يمثل عائقًا أمام تعليم الفتيات في المناطق النائية، وأشارت إلى أن عددًا كبيرًا من الفتيات يتعرضن للحرج والعزوف عن الحضور إلى المدرسة بسبب افتقار المدارس إلى مرافق صحية تلبي احتياجاتهن، خصوصًا في مرحلة البلوغ.
التداعيات الاجتماعية والصحية على التلاميذ
غياب المراحيض المناسبة في المؤسسات التعليمية يؤثر بشكل خطير على صحة التلاميذ ويعرضهم لأمراض مرتبطة بنقص النظافة، مثل التهابات الجهاز الهضمي والمسالك البولية. ويزيد هذا الوضع من معدلات الغياب، خاصة بين الفتيات، اللواتي يعانين من غياب الخصوصية والشروط الصحية الملائمة في مراحيض المدارس. وتشير الدراسات إلى أن توفير مرافق صحية مناسبة يمكن أن يساهم في خفض معدلات الغياب بنسبة تصل إلى 15%، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على تحسين التحصيل الدراسي والحد من التسرب المدرسي.
الحكومة ترد: التزام بإصلاحات قادمة
في ردها على هذه المداخلات البرلمانية، أوضحت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أن الحكومة تعترف بوجود تحديات في البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، وأكدت أن هناك برنامجًا خاصًا لتحسين أوضاع المرافق الصحية. وأعلنت الوزارة أن خطتها تتضمن بناء وصيانة مراحيض جديدة في أكثر من 1,500 مدرسة خلال عام 2025، بميزانية تقدر بـ 500 مليون درهم، مع التركيز على المناطق القروية التي تشهد أكبر نقص في هذا المجال.
كما أكدت الوزارة أن هذه الإصلاحات تأتي في إطار خطة شاملة لتحسين جودة التعليم في المغرب، والتي تشمل أيضًا بناء وتجهيز قاعات دراسية جديدة وتحديث المعدات التعليمية، واعتبرت الوزارة أن تحسين البنية التحتية، بما في ذلك المراحيض، يُعد جزءًا من الجهود الرامية إلى توفير بيئة تعليمية تحترم كرامة التلاميذ وتراعي حاجاتهم الصحية.
التحديات المستقبلية: هل تتحقق الوعود؟
على الرغم من الوعود الحكومية بتخصيص ميزانية كبيرة لتحسين المرافق الصحية في المدارس، يظل التساؤل مطروحًا حول مدى قدرة الحكومة على تنفيذ هذه الإصلاحات في الوقت المحدد، إذ يخشى العديد من النواب والمراقبين أن تتأخر هذه الإصلاحات أو أن تواجه تحديات تتعلق بالتمويل والتنفيذ، خاصة في ظل الأولويات الاقتصادية الأخرى التي تواجهها البلاد.
وفي هذا السياق، دعا النائب عبد الحق السعيدي عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى ضرورة تكثيف الرقابة على المشاريع الحكومية المرتبطة بتحسين البنية التحتية المدرسية، وأكد السعيدي أن هناك حاجة ماسة لإشراك المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ هذه الإصلاحات، لضمان عدم تكرار مشاكل سابقة تتعلق بسوء إدارة المشاريع التنموية في قطاع التعليم.
الحاجة إلى إصلاح شامل ومستدام
موضوع غياب المراحيض في ثلث المؤسسات التعليمية في المغرب يمثل قضية حيوية تستوجب تدخلًا سريعًا وشاملًا من الحكومة، إذ يرتبط تحسين البنية التحتية التعليمية بشكل وثيق بجودة التعليم وصحة التلاميذ، ويؤثر بشكل مباشر على قدرتهم على التعلم في بيئة صحية وآمنة.
يبقى السؤال الأهم الآن هو مدى جدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الموعودة وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، حتى لا تظل هذه النقاشات مجرد شعارات دون تحقيق تغيير فعلي.