
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 55
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
الأستاذ السيد عبد الإله المستاري
من ظواهر التاريخ في المجتمع ، ظهور شخصيات قوية بارزة ذات رسالة هادفة ، وروحانية ملهمة ، لا تلبث أن تنكشف في الأفق حتى يحس الناس بنورها المتوهج ، وبأريجها العبق ، وبجاذبيتها المنعشة .
وأمر كهذا ، هو ثمرة انتخاب طبيعي وفطري تشرف عليه العبقرية الخالقة والمبدعة لهذا الكون في طي الغيب .
وإذا وجد مثل هذا الصنيع بين شعب من الشعوب ، فهو يعادل آلاف المصلحين والمفكرين وذلك بتأثيره في وسطه ومحيطه، بفضل الأعمال الجليلة التي يقدمها لأبناء أمته .. والوثبات السريعة التي يرغب في تحقيقها ، والخطوات الواسعة التي يطمح في الوصول إليها في قليل من الوقت وبقليل من العناء والجهد .. فهو إذن تلك الشعلة المضيئة التي تنير السبيل ، والوجهة المثلى التي تظل الهدف المنشود .
نحن اليوم مع شخصية رائعة تجسدت فيه كل القيم الفضلى ، حيث الطيبة واللطف وسماحة النفس ورقة المشاعر والظرف الأنيق والأدب الجم والعلم الواسع .. عرف لدى الكثيرين بأريحيته وكرمه وومضاته الفكرية من خلال ما تقلده من مناصب عالية أبان فيها عن علو كعب وحضور متميز .. يتعلق الأمر بأستاذ جليل ، له مكانة رفيعة في قلوب أحبته وأصدقائه ومجايليه ، الأستاذ الفاضل ، ابن حاضرة المحيط ، أسفي ، السيد عبد الإله المستاري . فهو من مواليد هذه المدينة التي يشهد لها التاريخ بإنجاب رجالات كان لهم وزن كبير في المجتمع المغربي بما قدموا من خدمات جليلة لهذا الوطن العزيز . بأسفي تلقى تعليمه الأولي لمدة ثلاث سنوات بمدرسة النهضة ، ليستكمل تعليمه الابتدائي والثانوي بمدينة مراكش ، إذ بعد حصوله على الباكالوريا ، سيينتقل إلى العاصمة الرباط لمتابعة دراسته الجامعية . ومعلوم أن السيد عبد الإله المستاري ” نشأ وسط عائلة عرفت بوطنيتها الصادقة التي ضربت المثال الرائع في الإخلاص والتضحية والوفاء ، حيث كان والده شيبة الحمد الفقيه الأديب العالم والقاضي الجليل السيد عبد السلام المستاري أحد رجالات الرعيل الأول للحركة الوطنية ، وأحد الرموز التي كان لها شرف التوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال عام 1944 .
ومما يشرف مدينة أسفي ويحق لأهلها أن يفتخروا بالأستاذ عبد الإله المستاري ، أنه تقلد عدة مناصب قضائية كان منطلقها مدينة مراكش التي عين بها نائبا لوكيل الملك بالمحكمة الإقليمية التي أصبحت ابتدائية في وقت لاحق . كما عين نائبا للوكيل العام للملك بمحكمة الإستئناف بالمدينة نفسها ، فوكيلا للملك بالمحكمة الإبتدائية بفاس ، ثم وكيلا للملك بالمحكمة الابتدائية بمراكش ، ثم وكيلا عاما للملك بمحكمة الإستئناف بهذه المدينة ، حيث ظل يشغل هذا المنصب إلى أن أحيل على المعاش بعد أن استوفى كافة مدد التمديد . إضافة إلى ما سبق ، تم تعيينه عضوا في اللجنة الدولية للتعاون القضائي ، كما أسندت غليه مهمة رئاسة اللجنة الإقليمية لتتبع العمليات الانتخابية بعمالة أكادير . وسبق له أيضا أن شارك في ندوة مناقشة مشروع مدونة التجارة .. كما عين عضوا في اللجنة الوطنية لوضع مشروع القانون الجنائي على عهد وزير العدل المرحوم محمد بوزوبع ، إلى جانب مشاركته في إعداد نماذج المطبوعات المتعلقة بتطبيق مواد قانون المسطرة الجنائية بالمحاكم ، ثم عضوا في اللجنة القضائية المشتركة بين هيأة الدفاع والقضاء المكلفة يرصد الصعوبات والإشكالات التي يكشف عنها الواقع العملي بالمحاكم وتوخي الحلول المناسبة لها . كما عين رئيسا للجنة المشرفة على امتحانات الأهلية الخاصة بالمحامين ( فرع مراكش ) ، وكان أيضا من ضمن الوائل الذين ساهموا في تأسيس أول خلية لمعالجة قضايا العنف ضد المرأة والطفل بالمحاكم سنة 2005 .
اشتهر الأستاذ المستاري بانفتاحه الملحوظ على الأوساط الأكاديمية والحقوقية والجمعوية المختصة في قضايا الحكامة القضائية وحقوق الإنسان . كما عرف عنه أنه ساهم بحظ وافر في تحسين مستوى الإدارة القضائية واعتماد جودة الخدمات عن طريق تبسيط المساطر القضائية وشفافيتها والاعتناء بجانب التخليق ونهج سياسة الأبواب المفتوحة وحسن الإصغاء إلى المواطن وتفعيل القواعد القانونية وتعزيز سلطة القانون وتقوية الرقابة القضائية وتطوير الممارسة القضائية ، وتكوين القاضي المثالي بفضل المواكبة والمتابعة في سائر مجالات النشاط القضائي .
كانت له مبادرات ذات بعد إنساني ومعرفي إزاء السجناء ودعم سبل الإصلاح من اجل إعادة إدماجهم في حظيرة المجتمع ، والحرص كل الحرص على توفير الشروط الموضوعية والقانونية للمحاكمة العادلة .
كما كانت له إسهامات محمودة في عدة مبادرات قضائية توجت بتدخل التشريع في تبنيها سواء على مستوى القانون المنظم لمهنة المحاماة اوقانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي وموضوعات أخرى ..
كان له كذلك ، حضور متميز في الندوة الوطنية بمكناس لتحديد معالم السياسة الجنائية على عهد المرحوم الأستاذ بوزوبع .
كما ترأس لقاء تواصليا مع رؤساء الجماعات بالجهة لتدارس الإشكالات العملية التي تطرحها مدونة الحالة المدنية وكذا قوانين التعمير ..
يتبع….