ثقافة

تجليات السيرة النبوية في الشعر الملحون – الحلقة 28

د. منير البصكري الفيلالي / أسفي

 لقد أحب شعراء الملحون النبي صلى الله عليه وسلم، وتفانوا في حبه له.  أحسوا بفيض المحبة، فعبروا عنه في قصائدهم، كل واحد منهم على قدر قوة طبعه وإحساسه.
لقد كانت قصائد مدح النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به، من أغنى الموضوعات التي ملأت قلوبهم ومشاعرهم وعقولهم. وهكذا عبروا عن حبهم الصادق للرسول صلى الله عليه وسلم، يذكرونه في قصائدهم، فنجدهم كم خلال ذلك، مؤمنين بأن حقيقة النبوة هي قوة من الوجود في إنسان اختاره الله ليكون خير البرية خلقا وخلقا، جاءت لتصلح الإنسانية به، وتقر في هذه الحيوانية المهذبة مثلها الأعلى.
لقد كان العالم الإنساني يكابد في الجاهلية عوامل البلى من وثنية توبق الروح، وجاهلية توثق العقل، ومادية ترهق الجسد. وكانت الطبيعة المشفوقة تنتظر انبثاق الروح المبدع، وكانت الخليقة الحائرة ترسل النظر الحائر في الآفاق ترتقب لمعة النور، وكلمة الهدى من الله، ثم انبثق روحه القدسي في مجاهل البدو ومعالم الحضر.
جاء النبي صلى الله عليه وسلم بعقيدة تشيع الطمأنينة في نفوس حائرة، وبنظام ينشر عليها الأمان بين بني جنسها. ولقد توافرت له عليه الصلاة والسلام خصائص الداعية، فكانت له فصاحة اللسان واللغة، والقدرة على العمل وقوة الإيمان والغيرة على الدين. وجد فيه الأقوياء الرحمة والإنابة، ووجد فيه الضعفاء العدل والإنصاف. يقول تعالى: “فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله. إن الله يحب المتوكلين” .

كان النبي صلى الله عليه وسلم سيدا بإمامته وبنسبه وبسلطانه، وسيدا بالتفاف القلوب حوله، كما كان سيدا بسيادته على سره وعلانيته، على رأيه وهواه. فليس في سجل المودة الإنسانية أجمل ولا أكرم من حبه وحنانه وعطفه وبروره. كل هذه الصفات الفاضلة، كانت نبعا فياضا لشاعر الملحون المغربي. ومن ثمة، كان حبه للرسول صلى الله عليه وسلم مناجاة ومطاوعة لميل الضمير والوجدان على السواء  للفناء في الحب الصادق للرسول الكريم. فحبه عند الشاعر صالح بن محمد قد هز أشجانه وحرك عقله، فأصبح ولوعا به .. يقول:
حب الحبيب في ذاتي            خلخل أصيار عقلي متولع به
وعند الشاعر ابن دحمان، فإن حب الرسول قد استقر في أكنانه، وأشعل نيران غرامه .. يبيت طول الليل يذكر هواه، ويتملى رسمه. فقد حيره حب الرسول الحبيب، فبكى وشكا جراح ذلك الحب، وتمنى رؤية عين الوجود، صاحب الطلعة البهية، أبي فاطمة الزهراء، المصطفى العدنان، من لم يحبه، ما ذاق طعم الهوى ولا غنم، ولا انتشى بنشوة الحب الشريف. يقول الشاعر:
      مير الغرام فاكنانــي                رصا أولا اشفق مني يا مكــــواه
      تكب اجمر نيرانـــي      نشكي أعلى من اكوا مثل بالظاه
      حب الحبيب مضاني               محمد المفضل رسول اللــــــــــــه
                        حب الحبيب بيد بيــــــا
                        منو أفجمريمكديــــــا
وبالنسبة للشاعر لمشيكر، فإن حب الرسول صلى الله عليه وسلم، سكن مهجته وملك عليه عقله
وإلى ذلك يشير بقوله:
          حب ساكن لمهـــاج                   مــــــــالك عقلــــي أهــــــاج
          محمد مول المعراج                   حــــالتــي طـــــاهجــــــــــا ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر − 10 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض