
تجليات السيرة النبوية في الشعر الملحون – الحلقة العشرون
د. منير البصكري الفيلالي / أسفي
وهو في طريق العودة بعد أن تلقى الوحي من ربه ، ” إن هو إلا وحي يوحى ، علمه شديد القوى ، ذو مرة ، فاستوى وهو بالأفق الاعلى ، ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ، أفتمارونه على ما يرى ، ولقد رأه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ، إذ يغشى السدرة ما يغشى ، ما زاغ البصر وما طغى ، لقد رأى من آيات ربه الكبرى . ”
وفي السياق ذاته ، يقول الشيخ الحاج أحمد سهوم :
من المسجد الحرام أو الداج مدجـــــان اللمسجد الاقصى رب به عانــــــي
…
جاه داك اللي عن وصفه القول عجزان داك من لا يتوصف ساير الازماني
بغا الله ايواسيــه بما يصير تفتــــــــان وتتجـــادل فيه الأمم كــل آنــــــــي
بغا يكبر به اللي ما يماتله شــــــــــان يضايفـه عنده الضيافـة الداهلانـــي
فين كيفــاش يضايف ربنـا الإنســـان لا جواب على السولانين بالاثنانــي
جمعله معجزات ارسال جمع الازمان في معجــزة هي هذه الدااهلانــــــي
وحيت هي معجزة خارقة بتبيـــــــان ما احتاج الوسيلة قر الاعيانــــــــي
لا لسلوم النور يعرج به صعــــــــدان ولا لبراق بهيج الصرع ولعنانــــي
وفين ديك اللحظة رب المضايفة كــان ياك هو ديمة في ساير المكانــــــي
وقول من قال اعرج بالروح دون الابدان ومن قال اعرج بالروح والابداني
وقول من قالوا شاهد خالقه بالاعيــــــان ومن قال بقلب وليس بالعيانــــــي
وقول من قال فرض عنه صلاة بعــدان بلغ خمسين صلاة وصغاه بالأداني
وصاب موسى في رجوعه كايعينه كان قال عود وطلبه تخفيف عاد ثانــــي ..
ولعل المتتبع لقصائد ” المعراج ” ، سيدرك ـ لامحالة ـ مدى أهميتها ، وما لها من دلالات وفوائد . ففي قراءتها ، يتبين كيف أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم المقومات التي بني عليها المجتمع الإسلامي ، وهي مقومات صلبة ارتكز عليها هذا المجتمع في كل بقعة من الأرض ، وفي كل عصر من العصور. وهذا يفيد من جهة أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قوة من الوجود في إنسان مختار ، جاء ليصلح الإنسانية . إنها فعلا قوة مؤثرة في كل جوانب الحياة ، خلصت الإنسان من العبودية لكل شيء إلى السيادة على كل شيء . وما رحلة الإسراء والمعراج إلا رسالة ، والله أعلم حيث يجعل رسالته . فهي حبل الوصال بين الخالق وخلقه ، وهي نور الله في أفق الدنيا حتى تزول .. فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعا من الرسل ، وإنما هو الرحمة المهداة من ربه على عباده ” لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين . ”
من هذا المنطلق ، يكون سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، عظيما في الدين والعقل والشعور ، والعظمة قيمة في النفس قبل أن تبرزها الأعمال ، وملكات النفوس مزية غير قابلة للمسخ .
وهكذا يتبين أن كل النصوص الشعرية التي تناول من خلالها شعراء الملحون ذكرى الأسراء والمعراج ، كانت تعلوها روحانية سامية ، ففي قراءتها يكتسب المرء تجربة روحية ذوقية ، تسمو بكل تجلياتها الربانية والنبوية على المظاهر المادية ، و تتفاعل في بنائها حياة عظيمة لرجل عظيم من خلال علو مقامه صلى الله عليه وسلم .. وهذه العلامات الروحية والجمالية ، لا شك أنها تترجم بحق حالات شعورية صادقة ، يعرضها شعراء الملحون بتعبيرات نورانية وموحية ، تؤكد ـ لا محالة ـ صدق شعورهم تجاه الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام . لذلك ، جاءت قصائد ” المعراج ” قريبة إلى القلوب والنفوس ، تنتال طيعة بفعل الصبابة والوجد ، دونما غلو في التصنع أو التكلف ، تعبق بالسمو الروحي والجمالي عن طريق باب بهاء النظم الملحوني .