ورقة اليوم: نظراتٌ في الدعاءِ الناصِري….في استرحام الرحيم (5)

دعما للأفق الروحاني في لحظات الابتلاء، واستحضارا لطاقة الدعاء عند الشدائد والضراء؛ كما تؤصل له المرجعية الإيمانية الجامعة بين البذل والتوكل، بين الأخذ بالأسباب وملازمة الدعاء؛ ننشر ها هنا نظرات في متن الدعاء الناصري (نسبة إلى الصوفي الكبير محمد بناصر الدرعي دفين تمكروت عام 1085هـ). ويعد هذا الدعاءُ واحدا من أشهر الأراجيز التوسلية التي اعتاد أهل المغرب استعمالها في باب التضرع عند الشدائد والمحن.

يقول الإمام محمد بن ناصر الدرعي ،مسترحما الرحيم ومقرا بضعف المسترحمين:

فارحمنا يا من لا يزال عالما   —

                                    بضعفنا ولا يزال راحما

هنا لطيفة تَشِج بين صدق الدعاء وسلامة الاعتقاد؛ ذلك أن الناظم وهو يدعو للمولى بأن يشمل الضارعين برحمته و يؤكد على ضعف الخلق و قلة حيلتهم، فإنه يؤكد في ذات الوقت على العلم المطلق للخالق بخلقه وحالهم، مثلما يشفع طلبَ الرحمة من المولى بإقراره أنه كان رحيما ولا يزال كذلك بخلقه؛ إذ من رحمته أن خلق سبحانه الخلق، ومن رحمته أن هداهم إلى التوجه إليه بالدعاء والضراعة، قال ابن عطاء الله السكندري: “فمتى أطلق لسانك بالطلب فاعلم أنه يريد أن يعطيَك”.

 وهذا الإقرار بالعلم والرحمة بوصفهما من صفات الحق المطلقة الممتدة أزلا وأبدا،  علامة من علامات سلامة الاعتقاد، و أمارة من أمارات اليقين في الإجابة. لذا فكل ما يبسطه الناظم من أحوال الناس هنا، هو من قبيل الإلحاحِ في الدعاء لا من قبيل الإخبار بهذه الأحوال لمن هو أعلم بخلقه منهم.

 في ضوء هذا الفهم، نقرأ قول الناظم:

 انظر إلى مسنا من الورى    —

                                      فحالنا من بينهم كما ترى

وهذا البسط لأحوال الناس فيه من الاعتراف بسوء الحال ما  يغني عن الإفاضة في المقال، مثلما فيه من الاعتراف المُضْمَرِ بالتفريط في جناب الله ما يدعو لاستنهاض الهمم للإقبال السليم على الله  طلبا للخروج من الأحوال الردية إلى الأحوال المرضية. وهذا الاعتراف واحد من علامات صدق التوجه في الدعاء والإخلاص في رفع الأمر إلى صاحب الأمر:

إليك رفعنا الأمر يا من له الأمر  —

                               فليس لنا زيد سواك ولا عمرو