
عبد اللطيف أفلا
ما إن تقترب من واقع أطفال القمر في المغرب، إلا وتهتز نفسك بأنين القمرية الشابة، فاطمة الزهراء غزاوي، التي لقيت نحبها خلال صيف العام 2023، مستسلمة لقساوة وغلظة جفاف الجلد المصطبغ، وهي في ربيع عمرها كما لو بلغت من الكبر عتيا.. والحقيقة فاقت الكبر بكثير، ضعفا وآلاما فيزيولوجية ونفسية، وكذلك من المحيط الخارجي.. آلاما لا تتوقف.
كانت فاطمة الزهراء، إشراقة ساطعة تفوح أملا وعزيمة وإصرارا عبر مواقعها على النت، تشد أمثالها من القمريين نحو التفاؤل واليقين إبحارا على متن سفينة الحياة، التي توقفت بها قدرا في 31 من عمرها، عند نهاية الطريق، إلى من هو أرحم بها من الرحمة نفسها.
ولأن الحياة تجري لمستقر لها بألطاف الحق تعالى، قضاءا وقدرا، وفق رحمته الواسعة، فإن مشعل خوض غمارها، لا يزالا مشتعلا في وجه عواصف “جفاف الجلد المصطبغ” Xeroderma pigmentosum. هذه المرة باسم الأخوين حمزة تِزِمّرت 27 عاما، ومحمد تِزِمّرت 30 سنة، بمنطقة ولاد تايمة بإقليم تارودانت، وهما أول خريجين يحصلان على الإجازة في القانون الخاص، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس بالرباط، سنة 2022.
إحاطة بهذا الموضوع العاطفي بالدرجة الأولى، استضاف موقعنا الإخباري MCG24، القمري حمزة تِزِمّرت، والذي استهل حديثه معنا حول هذا المرض، قائلا:
” .. نُعرف بالقمريين، أو أطفال القمر، لأننا مصابون بمرض “جفاف الجلد المصطبغ”.. وللأسف أن المصابين بهذا المرض، لا يتجاوزون 10 إلى 15 سنة من البقاء على قيد الحياة إذا ما اختاروا العيش بشكل عادي بدءا بالتحرك تحت أشعة الشمس، حيث أنهم يتعرضون لمضاعفات خطيرة، كهشاشة العظام، وفقدان الأعضاء، و البصر، ثم الإصابة بمرض السرطان… فهذا المرض يعتبر أب لكل الأمراض الصعبة، أضف إلى كل ذلك العامل النفسي.. ”
وتابع ضيفنا بخصوص المعاناة التي يعيشها أطفال القمر بالمغرب، قائلا:
” هذه الفئة من المجتمع تواجه العديد من المعاناة التي لا تُعد ولا تحصى، معاناة مع الطبيعة، وأخرى مع المجتمع، بالنسبة للطبيعة هذا قدر مكتوب علينا من الله عز وجل نحمده ونشكره على ابتلائنا، ومرحبا بأقدار الله.. وبالنسبة للمجتمع فإننا نعاني من التنمر، ووصفنا بمصطلحات قدحية، كما أننا نجد صعوبة في استقالة وسائل النقل العمومية التي ترفض التوقف لأجلنا، ريبة من مظهرنا الخارجي الذي نُخفي فيه ملامحنا عن ضوء النهار، وهذا من خلال تجربتي الخاصة أنا وأخي محمد..”
عانى الاخوان حمزة ومحمد كثيرا من محنة تلقي العلاجات الضرورة لمضاعفات المرض، منها تأخر وبُعد المواعيد بالمستشفيات العمومية، وغالبا الذهاب والمجيء دون جدوى عندما يتغيب الطبيب، كما أنه لا يمكن أن يزورك في البيت، زد على ذلك عناء وتكلفة التنقل.. وفي القطاع الخاص، خص الشاب حمزة الدكتور منير السباعي ضمن مجموعة من الأطباء الأخيار في حديثه لجريدة MCG24، بثناء وشكر كبير على تكفله باستقبال جميع مرضى القمريين بالمجان، في عيادته الخاصة برحابة وانشراح، داخل قاعة تحترم شروط سلامة أطفال القمر.
وأشار حمزة أيضا إلى أن جل المصابين بهذا المرض في المغرب اغلبهم تحت عتبة الفقر، وأن الأدوية المخصصة لهم، من مراهيم وقطرات العين، مرفوضة في الضمان الاجتماعي لأنها مصنفة كمادة تجميلية.
وعن كيفية نجاح تجربة القمري حمزة مع أخيه في تحدي هذا المرض، ومتابعة الدراسة الجامعية للحصول على إجازة ثانية بعد إجازتهما الأولى في القانون الخاص، يقول حمزة:
“أنا وأخي محمد، هما أول قمريان يحصلان على الإجازة في القانون الخاص، وذلك سنة 2022، وحاليا نتابع دراستنا الجامعية وبنفس الشعبة بهدف نيل إجارة ثانية في القانون العام هذه السنة 2025 إن شاء الله، حول موضوع بحث “الوضعية القانونية لمرضى جفاف الجلد المصطبغ”.. صراحة لم يكن من السهل أبدا، متابعة الدراسة الجامعية، لأننا ومنذ صغرنا ونحن نعاني، حيث مرت مرحلة التعليم الأساسي بالقرية بالرغم من مخاطر التعرض لأشعة الشمس، وبعد تجاوز المستوى السادس من التعليم الأولي، مُنع أخي الذي سبقني بعام دراسي من ولوج التعليم الإعدادي بالمدرسة العمومية، بدعوى أن مرضنا معدي.. وهذا ليس صحيحا، لأنه ليس معديا، وبالتالي حدث انقطاع دراسي.. وبعدما عُلِمنا بوجود معهد مولاي الحسن للتربية والتكوين الخاص بالمكفوفين بمدينة تارودانت، التحقنا به ثم درسنا فيه مدة 3 سنوات، وبعد إكمال المستوى الإعدادي بنجاح، انتقلنا إلى معهد محمد السادس للتربية ورعاية المكفوفين بمدينة تمارة لبدء تعليمنا الثانوي التأهيلي، وبعده اتجهنا للدراسة الجامعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، وذلك سنة 2019.. وبها كانت أكبر الصعوبات، حيث أنه لم يكن بالإمكان الحضور بشكل دائم، ولذلك كانت اغلب المراحل عن بعد، وأيضا بمساعدة بعض الطلبة الذين كانوا يسجلون المحاضرات لصالحنا.. والمؤسف أن ثمة من الأساتذة الذين رفضوا اجتيازنا للاختبار بمبرر أننا نتغيب عن الحصص، وأنهم لم يروننا من قبل، وبذلك تم تأجيلنا لدروات استدراكية.. المهم كانت النتيجة بثمرة الجهودة مفرحة بحصولنا كأول قمريين بالمغرب على الإجازة، وذلك بتوفيق من الله، وبالمناسبة لا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل لخالي الذي كان الفضل العظيم في تمدرسنا منذ البداية”
وأشار الشاب حمزة، إلى إشكالية عدم وضع الحكومة المغربية “كوطا” بخصوص ولوج أطفال القمر لمباريات التوظيف، مذكرا بتجربته في اجتياز الاختبار الكتابي بنجاح، لكن يتم إقصاؤه في الامتحان الشفوي.
” للأسف الدولة المغربية لم تضع كوطا خاصة بمباريات توظيف هذه الفئة، فأنا وبعد نجاحي في الاختبار الكتابي، أجد نفسي مقصيا في الشفوي، وذلك اعتبارا للعديد من التصنيفات.. كالمظهر الخارجي للوجه بالبقع أو التشوهات مثلا، وذلك لأنه يتم الاعتماد على تنقيط “البروفايل”.. كما أننا لسنا مصنفين ضمن فئة الإعاقة التي يتم انتقاء مرشحيها بقبول، باستثناء القمريين.. وهذا هو الإشكال الكبير، والتمييز في مباراة خاصة بذوي الإعاقة.”
ويطالب حمزة تزمرت من وزارة الصحة إنصاف ضحايا هذا المرض، وإدراجه ضمن صنف الإعاقة، كما يناشد المتحدث وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة أن تعمل على تخصيص مناصب شغل بالنسبة لهاته الفئة ولو منصب واحد فقط.
ويتطلع الأخوين تزمرت، كباقي اطفال القمر بالمغرب ان تعمل الجهات المعنية بالتحسيس و التعريف بخطورة مرض جفاف الجلد المصطبغ، والإهتمام بالمجال الصحي الخاص بالمصابين به، وذلك بتنسيق مع أطباء متخصصين في المجال، وتوعية الآباء والأولياء بضرورة وكيفية العناية بأبنائهم القمريين، أخذا بعين الاعتبار خطورته وعواقبه من جراء التعرض لأشعة الشمس، ولأشعة بعض أنواع المصابيح الكهربائية. كما يأمل حمزة تزمرت وباسم جميع ضحايا الشمس الى إدماج فئة القمريين في الحياة العامة الاجتماعية والمهنية، والتعريف بقضاياهم في المحافل الدولية والوطنية، وإحداث تعاقد مع المؤسسات العمومية لتدريس القمرين.
يمثل طموح الأخوين حمزة ومحمد، قاطرة قيادة فولاذية بوقود الاصرار وطاقة الصبر والتحمل، ويمثل حصولهم على الإجازة بتميز، مفخرة، ونداءا جهريا للالتفات لهاته الفئة من المجتمع، المحكوم عليها قدرا بالليل، وإن كان حسها وإحساسها يعبر الظلام منطلقا لمعانقة أنوار شمس فصول الصيف، و بِوَهَج شديد ساطع.