احتضنت مدينة مراكش، يوم الجمعة 23 ماي 2025، الجلسة الافتتاحية لمنتدى مراكش البرلماني الاقتصادي للمنطقة الأورومتوسطية والخليج، الذي ينظمه مجلس المستشارين بالمملكة المغربية، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بحضور شخصيات برلمانية وحكومية ودبلوماسية وازنة من مختلف دول المنطقتين.
أكد رئيس مجلس المستشارين، السيد محمد ولد الرشيد في كلمته الافتتاحية أن المنتدى “يشكل محطة دالة على نجاح إرادتنا المشتركة في إرساء فضاء برلماني للحوار البناء والتعاون الاقتصادي، يُسهم في تعزيز الاندماج الإقليمي، ويدعم بناء نماذج متقدمة للتنمية المشتركة، والنمو الاقتصادي الدامج والمفتوح والعادل، لفائدة شعوب المنطقتين”.
وأبرز أن هذا المنتدى “ينعقد في سياق إقليمي ودولي كما أن العالم يشهد اليوم جملة من التحولات العميقة المرتبطة بالتغيرات المناخية وأهمية ملاءمة المنظومات الاقتصادية للحد منها، إلى جانب تحولات أخرى تهم بالأساس نماذج النمو الوطنية ودخول الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق وتكنولوجيات التمويل كعاملين أساسيين في الابتكار والإنتاج والتمويل، وكذلك استمرار تشكيل سلاسل القي الجديدة ذات الطابع الإقليمي والجهوي، وتَغَيُّرَات هيكلية على مستوى مسارات الإمداد العالمية”.
وفي المقابل، اعتبر ولد الرشيد هذه التحديات “فرصة تاريخية، تتيح لنا المساهمة في بلورة معالم “نظام اقتصادي عالمي جديد”، من خلال إرساء نمط جديد من التعاون القائم على تحرير الطاقات المشتركة، وخلق فرص عادلة للجميع، وبناء نموذج إقليمي متقدم للتحول الاقتصادي العادل والمنصف.
وقال ولد الرشيد “لطالما كان البحر الأبيض المتوسط أكثر من مجرد مجال جغرافي يربط بين ضفاف ثلاث قارات.. إنه تاريخ عميق من التبادل والتفاعل، فشكل تارة جسرا للحضارات، ومثل في أخرى حاجزا بين ضفافه الثلاث، وخاصة بين الشمال والجنوب”.
وأبرز ولد الرشيد أن الهدف الذي يجمع كل المتدخلين هو”تعزيز شراكة استراتيجية بأفق أوسع وأكثر توازنا في المصالح والرؤى تجمع بين الأبعاد الأمنية والرهانات التنموية، وتحقق الاندماج الاقتصادي ونقل التكنولوجيا وتحقيق العدالة المناخية والاجتماعية، وهو ما يستدعي منا أن نحوله إلى جسر بين ثلاث استراتيجيات”: تسريع التنمية، تثبيت الاستقرار، وتعزيز التحول الاستراتيجي”.
وفي محور ذي أهمية استراتيجية، سلط رئيس مجلس المستشارين الضوء على المبادرات الرائدة التي تقودها المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وفي مقدمتها المبادرة الملكية لتمكين دول الساحل من ولوج المحيط الأطلسي، من خلال تعبئة البنية التحتية المغربية الحديثة، بما يتيح لهذه الدول الاندماج في الاقتصاد العالمي، وتحسين مستوى عيش نحو 95 مليون نسمة.
وأبرز ولد الرشيد “كما يمثل هذا الأنبوب، بما يحمله من إمكانيات متعددة في نقل الغاز الطبيعي، ولاحقا الهيدروجين الأخضر، رافعة أساسية لضمان السيادة الطاقية على مستوى الفضاء الأورومتوسطي. ومن المنتظر أن يشكل، عند اكتماله، أطول منصة لوجستية طاقية في العالم، بما يعزز مكانة إفريقيا كمزود طاقي استراتيجي على الصعيد العالمي “.
كما استعرض التقدم المحرز في مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، بشراكة مع جمهورية نيجيريا، باعتباره رافعة استراتيجية لضمان السيادة الطاقية، وتعزيز موقع إفريقيا كمصدر رئيسي للطاقة النظيفة نحو الفضاء الأورومتوسطي.
في السياق نفسه، شدد ولد الرشيد على ضرورة بناء مسارات إنتاج مشترك، وتعزيز السيادة الصناعية والتكنولوجية لدول المنطقة، خاصة في القطاعات الاستراتيجية، مبرزاً دور البرلمانات في سن التشريعات الداعمة لهذا التوجه، والاضطلاع بمهمة الترافع من أجل مشاريع تنموية عادلة ودامجة.
وتوقف رئيس مجلس المستشارين عند التحدي المتنامي المرتبط بحكامة الذكاء الاصطناعي، داعياً إلى مقاربة جماعية مبنية على تبادل الخبرات والتجارب، من أجل صياغة أطر تشريعية وأخلاقية ضامنة لاستخدام مسؤول وآمن لهذه التكنولوجيا، خدمةً للإنسان والتنمية المستدامة.
وأكد ولد الرشيد في معرض كلمته “إن التنمية تمثل الركيزة الأساسية لإرساء السلم والأمن والاستقرار، وتشكل البديل العملي والواقعي الذي يملأ الفراغ الذي قد تستغله المنظمات الإرهابية والانفصالية والإجرامية”. وأضاف “إن نقاشاتنا الاقتصادية في منتدى مراكش لا تكتسي فقط بعدا تنمويا، بل تشكل مدخلا جوهريا لبناء نموذج إقليمي للسلم والاستقرار، يضمن لشعوب المنطقتين سبل العيش الكريم، ويوفر فرص الاندماج والمشاركة الفاعلة في مسارات التنمية الشاملة”.
و عبر رئيس مجلس المستشارين عن إيمانه إننا الراسخ بـأن ” البناء على المشترك الحضاري العميق الذي ظل يوحد شعوبنا عبر القرون، هو السبيل الأمثل لترسيخ أسس التعاون المستقبلي المنشود، وأنه من خلال استحضار الإرث العلمي والثقافي العريق الذي تزخر به الحواضر التاريخية في المنطقتين الأورومتوسطية والخليجية، نستطيع أن نُعيد مد جسور التفاعل الثقافي والمعرفي، وأن نجعل منها رافعة قوية لتنمية مشتركة، وتفاهم إقليمي يرتكز على القيم الإنسانية والحضارية والروابط التاريخية التي تجمعنا.”.