ثقافة

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، هذا نص يبرز خصوصية اللغة القرآنية داخل هذه اللغة..

الدكتور محمد التهامي الحراق
“… تُلزمنا المقاربة التأويلية، (..) أن ننظر إلى اللغة القرآنية باعتبارها لغةً داخل اللغة العربية. إنها كونيةٌ متفجِّرة داخلَ لغة نسبية، وتعالٍ منبجسٌ داخل لغة تاريخية، وأفقٌ مفارِقٌ يريدُ أن يكشف عن جزء منه في لغةٍ مُحايثة.
نعم، يَظهر الجانب النسبي والتاريخي والمحايث في استعمال اللغة العربية مُعجمًا ونحوا وصرفا وبلاغة وثقافة، أي في احترام اللّسان العربي للمخاطَبين المبَاشرين بالوحي في سياق تاريخي وثقافي معلوم، لكن إعجازيةَ اللغة القرآنية تكمنُ تحديدا في جدلية الاتصال والانفصال مع مألوف اللغة العربية وثقافتها المخصوصة، بحيث تمّ تحريك بنياتِها الدلالية، وتفجيرُ إشارات المطلق والقداسةِ والغيبِ والتعالي من داخل ثقافةِ هذه اللغة وذاكرتِها ومُتخيَّلِها. وهذا الأفق الشعائري والغيبي والأخلاقي في هذه اللغة يمثّل أفقًا كونيا لكل مؤمن، يستبطنه بـ “باللغة القرآنية” ذاتِ الحرف العربي في صَلاتِه وتدبُّره، لكن ثمراتِ هذا الاستبطان الوجودية والمعرفية والأخلاقية تقبلُ إعادةَ الإنتاج وفق النَّفَس القرآني في كل لغة، بدءا من اللغة العربية نفسها من خلال التفاسير المتناسلة للغة القرآنية؛ وهو ما يتحقق متى ما استطاعَ المؤمن المتدبرُ أن يقيمَ في تضاعيف النص السريةِ، ويستشفَّ نواتَه الكونيةَ القاطنة في اللغة القرآنيةِ باعتبارها لغة فوق كلِّ لغة، وإن حلَّت في تجل عربي لضرورة الانبجاس في صورةٍ لغوية أرضية نسبية تاريخية. فكونية القرآن الكريم، إذن، رهينة بقدرة المسلمين على التعامل مع شعائرية القرآن الكريم كأفق تتجاوزُ دلالاتُه الحروفَ لتفجير المعاني الباطنية والوجدانية التي تُذاق ولا تعقل، وكذا بقدرة المسلمين على بناء معقوليات تُعيد للإنسان المعاصر ملَكةَ إدراك الأبعاد المتعالية الغيبية والقيمية والروحانية في القرآن الكريم، والتي تغذِّي النَّفَس الروحاني الساكنِ في كل مؤمن، والقابلِ لعدة تجليات لغوية تاريخية وثقافية. إنهَا “نغمة الألوهية” كما سمّاها بعضُ الباحثين، والتي تتوهج بامتلاك المؤمن الأهلية المعرفية والعرفانية، العقلية والوجدانية، لـ “عزف لحنٍ” من هذه “النغمة” المطلقة الخالدة، والمستقلة عن كل “لحن” وعن كل “آلة”، وإن كانت لا تتبدّى في عالم الكثافة والحس والمُلك إلا من خلالهما…”.
   “الأنوار لا تتزاحم…من أجل أفق تحريري بالدين لا من الدين”، دار أبي رقراق، الرباط، 2022، ص.246-247.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض