
توسلوا إلى الله بلسانكم الفصيح وتداركوا أعماركم بالتوبة النصوح
عبد الرحمان سورسي
الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فاتقوا الله حق تقاته وتقربوا إليه بالأعمال الصالحة؛ وتحببوا إليه بإجابة أوامره، والابتعاد عن نواهيه، وادعوه وتوسلوا إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وتداركوا أعماركم بالتوبة النصوح، وإصلاح الأعمال قبل احتضار النفوس وحضور الآجال، قبل أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله؛ وطاعة ذي الجلال والإكرام.
أيها الإخوة والأخوات: ها نحن في هذا اليوم العظيم، في هذا المقام العظيم نتحدث عن موضوع عظيم، هو أعظم الموضوعات على الإطلاق، ولا يوجد موضوع أعظم منه أبداً، إنه أعظم موضوع لأنه يتعلق بأعظم شيء وهو الله ، والحديث عن الله تعالى أشرف الأحاديث، والعلم بالله تعالى أشرف العلوم؛ لأنه يتعلق بأشرف معلوم وهو الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، أسماؤه وصفاته تعرف المؤمن عليها واجب، معرفة المؤمن بربه أوجب الواجبات، قال الله :
وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَاسورة الأعراف180. وأليكم شرح متواضع لأسماء الله الحسنى فهو كما يلي.
الهادي: الله الذي يهدي ويُرشد عباده إلى خيرَي الدنيا والآخرة، والهداية نوعان؛ أولاهما التي تكون لجميع المخلوقات والكائنات وتكون بهدايتها لمصالحها وتهيئتها لما خُلقَت له، وثانيهما هداية البيان وقد هدى الله -تعالى- المؤمنين وأرشدهم في الدنيا إلى اتّباع أسباب وطرق دخول الجنّة، وقد ذُكر اسم الهادي مرتين في القرآن الكريم إحداها في قوله -تعالى-: (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا).[٤٠][٤١] الوهّاب: اسم يدلّ على كثير الهبة والمنّة والعطيّة؛ فهو يوسّع في العطاء لعباده، ويهبهم من عظيم فضله، وهي صفة مبالغة لكثرة وتنوّع وسعة عطاء الله -تعالى- وتوالي نعمه على عباده؛ فبيده -عزّ وجلّ- خزائن السماوات والأرض يتصرّف فيهما كيف يشاء، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وقد ذُكر اسم الوهّاب ثلاث مرّات في القرآن الكريم، ومنها قوله -تعالى-: (إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ).[٤٢][٤٣]
الفتّاح: اسم يدلّ على الحاكم والقاضي الذي يقضي بين عباده بما يشاء؛ فحكمه وقضاءه لا رادّ ولا مُعقب لهما، قال -تعالى-: (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)،[٤٤] وذكر الشيخ السعدي أنّ للفتّاح معنيين؛ أولهما أنّه يحكم بين عباده بشرعه فيتيب الطائعين ويعاقب العاصين، وثانيهما أنّه يفتح جميع أبواب الخير لعباده سواءً من منافع الدين والدنيا، ومن أبواب الرزق، ومن العلوم الربانيّة، والأحوال الروحانيّة التي يمنّ بها على المقبلين عليه وغيرها من الأبواب المقفلة،
الرزاق: اسم يدلّ على عِظم كرمه وفضله؛ فهو يرزق عباده من الدنيا وملذّاتها، وينعم عليهم بالخيرات المتتالية، كما ويرزقهم الإيمان الذي يتحصّل به العبد على الجنّة ونعيمها، وهو مُتكفّل برزق كل من في السماوات والأرض، لذا كان الله -تعالى- هو المُستحقّ بأن يُعبَد وحده لا شريك له؛ لأنّ العبادة لا تكون إلا لمَن كان قادراً على رزق الخلق، أمّا من عجز عن ذلك فلا يستحق العبادة؛ لأنّ العاجز لا يكون إلهاً.
[٤٦]العفو، الغفور، الغفار: أسماء الله التي تعني الذي يصفح عن عباده ويغفر لهم؛ فعفوّه شامل يسع جميع الذنوب الصادرة عنهم، قال -تعالى-: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)،[٤٧] ومن كمال عفوه ومغفرته أنّه يغفر لمن أسرف على نفسه ثم تاب ورجع إليه؛ فهو يقبل التوبة منه لا سّيما إن أتى العبد بأسباب العفو والمغفرة؛ من إستغفار وإيمان، وأعمال صالحة، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).[٤٨]
[٤٩] التّواب: الله الذي لم يزل يقبل توبة التائبين ويغفر ذنوبهم؛ فالذي يتوب توبة خالصة لله -تعالى- يتوب عليه، وتوبة الله على عبده نوعين؛ أولهما بأن يوفّقه للتوبة بأن يوقعها في قلبه فيقوم بشروطها من إقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على تركه مُستبدلاً إيّاه بعمل صالح، وثانيهما بأن يقبل توبة عبده فيغفر له ذنبه، قال -تعالى-: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).
[٥٠][٤٩] الرقيب: الله الذي يطّلع على كل ما تُخفيه الأنفس، فهو الذي خلق المخلوقات وأجراها على أحسن وأفضل نظام وتدبير، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).[٥١][٤٩] الشهيد: الله الذي يطّلع على جميع الأشياء؛ فهو يسمع الخفيّ والجليّ من الأصوات، ويُبصر الصغير والكبير من الموجودات؛ فهو يشهد لعباده وعلى عباده بكلّ ما عملوه، قال -تعالى-: (وَاللَّـهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)،[٥٢] ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ اسمَي الرقيب والشهيد مترادفان يدلّ كلٌ منهما على إحاطة علم الله -تعالى- بكلّ مسموع وموجود خفيّ وجليّ، وإن كان الله -تعالى- رقيباً على السرائر والنيّات فمن من باب أولى أنّه شهيد على الظاهر وما تفعله الجوارح، ولذلك كانت المراقبة من أعظم أعمال القلوب؛ لأنّ معرفة العبد أنّ جميع حركاته وسكناته وأفكاره وأفعاله أُحيطت بعلم الله -تعالى، أوجب ذلك عليه أن يحمي باطنه وظاهره من كلّ ما يبغضه الله -تعالى-؛ فيكون متعبّداً بأعلى مراتب الدين ألا وهي مقام الإحسان.أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وأصلح منا ما ظهر وما بطن. يارب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.