
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 23
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
السي لحبيب البخاري :
عرفته رحمه الله خلال ترددي على المسجد الأعظم بالمدينة القديمة . فقد كان له دكان من بابين قبالة المسجد المذكور.. وهو عبارة عن مكتبة يمكن أن تجد فيها ضالتك إن كنت من عاشقي القراءة والمطالعة. وهذه المكتبة التي كانت تحمل اسمه، لا تكاد تخلو من المثقفين من أهل أسفي طوال النهار، إذ ينتصب أمامها على كراسي متواضعة ( عددها سبعة.. وكان السي لحبيب يقول للذين أنهوا القراءة والمطالعة: ” كل واحد ايدخل كرسيه، ما عندي صحة باش اندخل لكراسى“..) جم من القراء من أمثال الأستاذ عبد الرحيم الوزاني خطيب المسجد الأعظم حاليا، والأستاذ أحمد الخزامي (المحامي ) والأستاذ مبارك المتوكل والأستاذ أبوبكر البوخصيبي، والأستاذ التهامي الوزاني بنعلال (المحتسب) والأستاذ التهامي الوزاني (ولد مولاي أحمد) والأستاذ الدكتور محمد بنشريفة والأستاذ محمد لوزان السوسي والأستاذ عبد الله الولادي والأستاذ عبد الله السكوري، والأستاذ الهادي الوزاني والأستاذ أحمد الوزاني والفقيه لحسن واعزيز. وغيرهم من رواد هذه المكتبة العامرة “والتي كان لها الفضل في نشر العلم بين شباب أسفي المتعطشين إلى المعرفة، كما كانت بمثابة ناد أو صالون أدبي سابق لعصره .. وكان هؤلاء لا يغادرونها إلا بعد أن يرتووا من محتوياتها الغنية والقيمة، دون أن يشكل ذلك أدنى ضيق أو نفور من صاحبها ” السي لحبيب البخاري ” صاحب الأخلاق العالية، إنسان ذو أحاسيس، بليغ متمكن من حديثه وثقافته، رجل ملتزم محافظ، وطني كبير في وطنيته وإخلاصه، يميل للهدوء ويفكر مليا قبل إبداء الرأي.. خطه في الكتابة جميل، محب عاشق للقراءة والاطلاع ، أنيق المظهر، حديثه متصل متسلسل الفكرة والعمق. يدفعك لمتابعته والإنصات إليه. هكذا عرفت السي لحبيب البخاري وأنا صغير السن، أسعى للتفاعل مع حركة الحياة ، وأعيش أحداث وطني ومدينتي بحس مرهف
إن الحديث عن السي لحبيب البخاري، هو في الآن نفسه حديث عن مكتبته الشهيرة والتي كانت تضم بين رفوفها كتبا قيمة يتردد على طلبها مثقفو المدينة. فقد كانت واجهة حضارية، ومصدر إشعاع فكري، حيث كان السي لحبيب يسعى لاقتناء الكتب وتنويعها وترويجها على أوسع مدى، مع التركيز على الكتب التي تشمل موضوعات تنفع الفرد والمجتمع وتيسر العقل والوجدان.
رحل عنا السي لحبيب البخاري وترك خلفه رصيدا كبيرا من الدعوات الصالحة الصادقة، ورصيدا من الحب والاحترام والتقدير من مريدي مكتبته العريقة. فقد كان رحمه الله رجلا مخلصا، غيورا على ثقافة وطنه، وفيا أمينا في عمله بمكتبته، قلما نجد مثله أمانة في هذا الزمان. أحب مثقفي مدينته أسفي وأحبوه وتفانوا في حبه، وما يوالون يلهجون بذكره، إلى جانب ما استطاعوا أن ينهلوا من معارف وإفادات إثر ترددهم على مكتبته رحمه الله .
توفي إلى عفو الله في شهر نونبر 1972 ودفن بمقبرة الزاوية الدرقاوية بأسفي ، وإلى الآن ، ما يزال صداه طيبا بين الناس في أسفي.