
الدكتور عباس الجراري ، شخصية موسوعية متعددة العطاءات -الحلقة 23
إعداد : د. منير البصكري الفيلالي
في هذه الحلقات المتبقية ، ننطلق مما كان قد دعا إليه أستاذنا الجليل الدكتــور عباس الجــراري ـ رحمه الله ـ حين أشار إلى تعميق البحث العلمي في فن الملحون ، من أجل تجديده وتطويره ، وهو أمر يتطلب تضافر جهود مجموعة من الباحثين ، وذلك نظرا لتشعب أغراض ومجالات الملحون .
أشرنا في الحلقات السابقة ، إلى أن الأدب ا لشعبي ، يشكل جانبا ضخما من تراثنا الشعبي، وكنزا زاخرا بأغنى ا لأنواع الأدبية التي تعد مرجعا أمينا لدارس الآداب الإنسانية ، ومؤرخ العادات والتقاليد الشعبية والقيم الاجتماعية .
فهو إذن صورة تعكس جانبا مهما من جوانب حياة الشعب في لحظات إبداعه، وفترات مرحه، وتأجج عواطفه .
وكما لا يخفى ، فهناك جوانب كثيرة يتسم بها الأدب الشعبي ، من حيث الشكل أو المضمون .. ومن هذه السمات : اللغة ـ الموضوع ـ الشكل ـ العفوية والتلقائية .. بمعنى أنه يساير الفطرة أكثر من الأدب الرسمي ، وتتجلى هذه الفطرة في حبك الأدب وطريقة إبداعه المتغيرة من بيئة لأخرى ، ومن زمن لآخر . من هنا أكد الأستاذ أحمد رشدي صالح ” أن الأدب الشعبي أكثر صدقا في إعطاء الصورة الحقيقية للعملية الاجتماعية . ومن هذه السمات ، نستطيع أن نحدد للشعبية معلمين أساسيين هما :
ـ الانتشار أو التداول ، بحيث يشمل هذا الأدب كل طبقات المجتمع ، وذلك بعكس الأدب الرسمي .
ـ التراثية أو الخلود ، على اعتبار أن هذا الأدب يستطيع أن يطفو فوق سطح الزمن ليقابل كل عصر بنفس الجدة والحيوية ، ويلتقي مع كل جيل بنفس الانفعال والتأثير . ”
من هنا تأتي مسؤولية الباحثين في مجال الأدب الشعبي بشكل خاص ، أي في دراسته بشكل جدي ووضعه تحت مجهر النقد التحليلي ، لمعرفة امتدادات الأمة ، المادية والمعنوية والقيم والمفاهيم والتصورات والاتجاهات التي كانت أساسا لثقافتها ..وهو ما كان يؤكد عليه أستاذنا الدكتور عباس الجراري رحمه الله .
يتبع …