سياسةغير مصنفمجتمع

المحامون في المغرب بين مطرقة تعديل المسطرة المدنية والجنائية وسندان حماية حقوق المواطنين

عبدالرحيم لحبابي

أعلن المحامون في المغرب عن دخولهم في إضراب مفتوح، مما أدى إلى تعطيل العديد من الجلسات بالمحاكم، وذلك احتجاجًا على مشروع قانون المسطرة المدنية والجنائية الجديد الذي وصفوه بأنه “مهزلة تشريعية” لما يتضمنه من مقتضيات تُعدّ خطيرة بالنسبة للمواطنين، بل وتمسّ في العمق بمبادئ العدالة والأمن القضائي.

في هذا السياق، عبر المحامون عن قلقهم من الحق الممنوح للنيابة العامة للطعن في أي قرار وفي أي وقت دون التقيد بآجال محددة، حيث يمكن للنيابة الطعن حتى بعد مرور 100 سنة، بينما يُجبر المواطنون على التقيد بآجال الطعن. ويرى المحامون أن هذا الإجراء يهدد استقرار المعاملات ويقوض الأمن القضائي، ويضع الأحكام القضائية في دائرة الشك مما قد يزعزع الثقة في النظام القضائي ويثير مسؤولية القضاة بعد مرور سنوات طويلة.

كما أشار المحامون إلى أن المشروع ينص على منع المواطنين من الطعن بالاستئناف في الأحكام التي تقل قيمتها عن 30,000 درهم، بدعوى أن هذا المبلغ زهيد ولا يستحق المرور عبر درجات التقاضي. ويمثل هذا الإجراء عبئًا كبيرًا على الفئات الهشة اقتصاديًا، خصوصًا أصحاب الكراء أو الذين يتحملون قروضًا صغيرة، حيث قد يعتبر مبلغ 30,000 درهم بالنسبة لهم بمثابة مدخرات جمعت بعد سنوات من الكدّ.

أما فيما يخص النقض، فقد أوضح المحامون أن المشروع يقيد حق المواطنين في الطعن بالنقض إذا كانت القضايا تقل عن 80,000 درهم، مما يعني أن أي حكم أقل من هذا المبلغ يصبح نهائيًا دون إمكانية الاعتراض عليه. ويخشى المحامون أن يؤثر هذا الإجراء سلبًا على المواطنين الذين يمثل هذا المبلغ بالنسبة لهم قيمة كبيرة تتطلب الكثير من الجهد والادخار.

تتضمن التعديلات أيضًا، حسب تأكيدات المحامون، فرض غرامات مالية على المدعى عليه إذا قضت المحكمة برفض طعنه. فقد يُفرض عليه دفع غرامة قدرها 10,000 درهم إذا رفضت المحكمة دفعه بعدم قبول الدعوى. وهذا يعدُّ انتهاكًا لمبدأ مجانية التقاضي الذي يكفله الدستور، ما يزيد من التكاليف على المتقاضين ويعيق المواطنين في ممارسة حقهم في الدفاع.

أثار المشروع أيضًا استياءً من قبل المحامون من التوجه نحو فرض غرامات على المواطنين الذين يقدمون طعونًا تتعلق بتجريح القضاة أو الخبراء، حيث تُفرض غرامات كبيرة إذا رفضت المحكمة هذه الطعون. بل ويتم الحكم بغرامات تصل إلى 50,000 درهم على المتقاضين الذين يرفعون دعاوى المخاصمة ضد القضاة وتُرفض هذه الدعاوى، ما قد يثني المواطنين عن ممارسة حقهم في التعبير عن عدم رضاهم تجاه أداء القضاة.

أضف إلى ذلك، أعرب المحامون عن قلقهم من منح المشروع للقضاة صلاحية فرض غرامات باهظة على من يرونه يتقاضى “بسوء نية”، وهو ما يثير المخاوف بشأن احتمال تعرض بعض المواطنين للعقوبات دون أسباب موضوعية، مما قد يشكل ضغطًا إضافيًا على المواطنين الذين يطالبون بحقوقهم.

ويشير المحامون كذلك إلى خلل في التوازن القانوني بين الدولة والمواطن، إذ يحق للدولة تنفيذ الأحكام الصادرة ضد المواطنين فور صدورها، بينما يُطلب من المواطن الانتظار لسنوات قبل أن يُمكنه تنفيذ حكم لصالحه ضد الدولة، ما يزيد من الشعور بغياب العدالة والمساواة.

على مستوى الاعتقال الاحتياطي، يتضمن المشروع عدة تعديلات، من بينها رفع سن الاعتقال الاحتياطي للأحداث إلى 16 سنة في الجنح و14 في الجنايات، ومنح وكيل الملك صلاحية متابعة المتهمين في حالة سراح. كما يحدد المشروع أسبابًا حصرية للاعتقال الاحتياطي، ويُشدد على ضرورة تعليل قرار الاعتقال، مع إتاحة تدابير المراقبة القضائية مثل السوار الإلكتروني كبدائل للاعتقال الاحتياطي.

وإضافة إلى ذلك، يُقلص المشروع فترات الاعتقال الاحتياطي إلى شهرين في الجنح القابلة للتمديد مرة واحدة، وإلى شهرين في الجنايات مع إمكانية تمديدها ثلاث مرات كحد أقصى، بدلًا من الفترات الأطول المعمول بها حاليًا.

ويؤكد المحامون أن هذه التعديلات في المسطرة المدنية والجنائية تأتي لتثقل كاهل المواطن وتضعف من قدرته على الوصول إلى العدالة، بينما المحامون أنفسهم غير معنيين بالعقوبات والغرامات، لأنهم يمثلون المتقاضين فقط. ويرى المحامون أن هذه الخطوات تضر بالمواطنين أولاً، وتمثل تهديدًا صريحًا لمبادئ العدالة والإنصاف، وتضرب في العمق مبدأ المساواة أمام القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر + 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض