ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 54

إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

السيد محمد منيس
  
أود في البدء أن أعرب عن سروري بالكتابة عن رجل من رجالات أسفي المعاصرين ، أحد أعمدة الذاكرة الآسفية ، إذ إليه يتم الرجوع في غير قليل من الأحداث التي عرفتها مدينة أسفي ، الصديق العزيز السي محمد منيس . فماذا يمكن أن أقول عن هذا الرجل ، وكيف أقول في السي محمد منيس؟ وقد تعددت جوانب عطائه ومسؤولياته ، فقد اجتمع فيه ما تفرق في غيره .
  
فتاريخ حياته مليء بالعطاء .. وهب كل قوته وطاقته وإمكاناته وقدراته لخدمة مدينته ، وهو بهذا السلوك الجاهر الصارخ، يصل إلى درجة القدوة الحسنة .
إن ما نكتبه عن رجالات أسفي ، ليس محمولا على التمجيد والمجاملة المفرطة ، بل هو الحق والحقيقة والتاريخ والواقع .
 
هو من مواليد أسفي ، بها تابع دراسته الابتدائية منذ 1950 بكل من مدرستي مولاي يوسف وتراب الصيني .. ليلتحق بعد ذلك بالسلك الثانوي يمدرسة ( بور ليوطي ) بالقنيطرة ، وكانت معروفة بمستواها البيداغوجي الرفيع ، نهض به أساتذة فرنسيون مرموقون ، بعد أن توسط له أحد أصدقاء والده الفرنسيين ( السيد دوربت كابرييل )بعد أن رآى فيه ذكاء متقدا، ولمس فيه علامة النجابة والنباهة . فسجله مع ابنه في المؤسسة المذكورة سابقا . فكان لهذا الأمر أثر واضح على تكويته العلمي ، اختار شعبة العلوم التجريبية ، وبعد نيله لشهادة الباكالوريا سنة 1957، حصل على منحة لمتابعة الدراسة ب (مونبوليي) بفرنسا في سلك الهندسة الفلاحية .. وبعد التخرج ، التحق بالمعهد العالي الدولي للدراسات الزراعية الأورو متوسطية بمدينة ( باري ) بإيطاليا ، حيث توج بوسام ذهبي نتيجة ما بذل من مجهودات كبيرة في مجال تخصصه .. ثم بعد ذلك ، التحق ببلجيكا ليتخصص في مجال علم الاجتماع التنموي . وفي سنة 1962 ، سيعود السي محمد منيس إلى مسقط رأسه أسفي إلى جانب صديقيه الأخوين السي عبد اللطيف الكراوي والسي محمد الكراوي ، حيث اشتغل بوزارة الفلاحة مدة معينة ليستمر فيما بعد مع بول باسكون العالم السوسيولوجي الفرنسي وذلك بمدينة مراكش خلال ست سنوات أي إلى حدود 1970 .. بعدها غادر وزارة الفلاحة لينخرط في الأعمال الحرة مع صهره الحاج اعبيد .
  
ولا يخفى أن السي محمد منيس ومنذ 1956 قد انخرط في العمل الجمعوي تحت راية شباب وتعاون ” التي كانت تضم نخبة من أبناء أسفي نذكر منهم السادة مولاي الطاهر الإدريسي والسي المكي كوان والسي عبد الرحيم العطاوي والسي العربي الكراتي والسي حميد التريكي والسي محمد الشرادي والسي احمد لوليدي والأستاذة حليمة فرحات وغيرهم   من المنجزات التي قاموا بها ، بناء دار بدرب مولاي الحسن لحضانة أبناء العاملات في معامل تصبير السردين ، إلى جانب القيام بصيانة وتنظيف بعض مدارس المدينة مع إلقاء محاضرات لبث الوعي في صفوف شباب المدينة ليكونوا خير خلف لخير سلف .
وفي سنة 1955 شغل السي محمد منيس منصب نائب رئيس المجلس البلدي لمدينة أسفي على عهد سيدي التهامي الوزاني ، كما شغل منصب الخليفة الأول لرئيس المجلس الإقليمي على عهد الحاج الطاهر البواب ، واستمر هذا النشاط السياسي في عهد كل من عبد اللطيف علان وعبدالرحيم الكراوي . أيضا من الأنشطة التي قام بها السي محمد منيس ، نذكر تعيينه ضمن لجنة لتقديم المساعدة التي كان يحتاجها السيد هيدير دال سنة 1968 بغية تحقيق هدفه خاصة على المستوى اللوجيستي وإنجاح رحلة راع . وقد ضمت هذه اللجنة التي كلفها عامل صاحب الجلالة السيد عمر بنشمسي إلى جانب السي محمد منيس ، السادة المرحوم الحاج الطاهر البواب والسي عبد الله فرحات والسي احمد الخزامي ( المحامي) والسيد فاتح باكة والسيد بوزيد الشكري والسيد عبد الرحمان الشقوري والسيد عبد الرحيم واعزيز والسيد محمد بن عمر .
  
واليوم وهو على رأس جمعية “ذاكرة أسفي ” التي تهدف إلى :
    °
التعريف بالذاكرة الجماعية لإقليم أسفي
    °
العمل على المحافظة على الموروث الحضاري المادي واللامادي
    °
المساهمة في إعادة الاعتبار للمدينة القديمة
   °
إعادة الاعتبار لشخصيات من أسفي
وبناء على هذه الأهداف ، نجده يعمل على تحقيق الكثير من المشاريع والمنجزات نحصرها فيما يلي :
ـ تنظيم الجامعة الشعبية للتراث بشراكة مع جمعية ذاكرة الدار البيضاء ، شكلت حدثا بارزا في بناء وعي جماعي بتراث أسفي .
ـ إعادة الاعتبار لبعض أزقة ودروب المدينة العتيقة ، بهدف إعادة الثقة للساكنة مع تحسيسهم بالدور التشاركي قصد تأهيل الفضاء المحيط بهم ، ونشر ثقافة التعاون والشراكة لأجل أحياء ودروب نظيفة وجميلة .
ـ تأهيل الواجهة البحرية للمدينة العتيقة كترميم وصباغة كل البنايات الموجودة بزنقة المعصرة والأزقة المتفرعة عنها ، وبنايات ساحة سيدي بو الذهب .. إضافة إلى ترميم السور البرتغالي المواجه للبحر .
ـ التعريف بتاريخ أسفي من خلال طبع ونشر ما يناهز ستة عشر لوحة إشهارية من الحجم الكبير ، كل واحدة منها تتعلق بحقبة تاريخية ابتداء من القرن الحادي عشر الميلادي ( عهد المرابطين ) إلى الحقبة الحالية ( العهد العلوي ) باللغتين العربية والفرنسية وبواجهتين وذلك بمناسبة  مرور ألف سنة من تاريخ أسفي . وتضم هذه اللوحات معطيات تاريخية وخرائط ووثائق نادرة وصور ونقود قديمة ، كما تم نصب لوحتين إشهاريتين واحدة بساحة الديوانة ( سيدي بو الذهب ) والثانية بمدخل باب الشعبة وتحملان خريطة المركز التاريخي لأسفي التي تحتوي على مواقع المآثر التاريخية وبيوتات رجال المقاومة والتاريخ والسياسة والاقتصاد ، كما تم إنجاز أزيد من خمسين لوحة متوسطة الحجم علقت بأهم واجهات المواقع التاريخية والثقافية والدينية ، وتم أيضا طبع ألف خريطة للمواقع والمآثر التاريخية.
ـ إحياء الذكرى الخمسين لرحلة راع ..
ـ المحافظة على الموروث التاريخي المادي لإقليم أسفي ، حيث تم جرد أزيد من أربعين موقعا يحمل قيمة تاريخية وحضارية تستوجب تصنيفها لآجل المحافظة عليها .
ـ تنظيم مائدة مستديرة حول موضوع ” تاريخ الأحداث الاقتصادية بأسفي ” ..
ـالتدخل لدى غير قليل من الجهات لحماية المآثر التاريخية التي أصبحت تتعرض لخطر الانهيار ، على حد ما هو عليه قصر البحر اليوم ، وكذا الكنيسة الإسبانية بالمدينة العتيقة إيمانا منه بأن الحفاظ على هذه المعالم الحضارية ، هو حفاظ على الذاكرة المحلية ولرصيد المغرب الحضاري .
ـ الدعوة باستمرار وإلحاح إلى حراسة ونظافة وبستنة المباني التاريخية ، ورد الاعتبار إلى كل المآثر التي أصبحت تعرف وضعا مقلقا ، مما يستدعي وضع مخطط استعجالي للترميم والصيانة والنهوض بالموروث الثقافي .
    
فحين يذكر السي محمد منيس ، يحضر تاريخ أسفي الحديث ، نظرا لإلمامه بكل التفاصيل والجزئيات التي عايشها في مدينته ، سواء تعلق الأمر برجالات أسفي أو مآثرها التاريخية والحضارية والعمرانية . فحديثه عن أسفي حديث الأب المخلص الموجه الناصح
ثم إننا كذلك حين نذكر المهندس محمد منيس ومحاسنه الكثيرة ، فإننا لا نعطيه شيئا من أنفسنا ، وإنما نصفه ببعض مزاياه وخلائقه . فطبيعته الإنسانية مجبولة على الخير ، تسلك مسلكا يعبر عن ثورة الإحساس الإنساني جراء ما يجده في عيوب من يسعون إلى تهميش المدينة والنأي بها عن ركوب قطار التنمية .. حرصا منه على أن تكون أسفي مرآه صافية تعكس توهجها الحضاري ومجدها التاريخي .
  
إننا حقا أمام إنسان ندر حياته لخدمة مدينته ، رجل شامخ الهامة لا نوفيه هذه السطور حقه في إلقاء الضوء على حياته برمتها ، فذلك يستدعي الكثير من بذل الجهد والتتبع .
ولعلي من هؤلاء الذين أعجبوا بذكاء الرجل وأسلوبه في الحياة والتجربة التي عاشها والحافلة بالحكمة والتروي . فالتجربة لديه ، قد صقلتها ثقافته الرصينة وعصارة فكره وعمره .. نهنئ أنفسنا نحن أبناء أسفي بوجود هذا الرجل بيننا ، فكل بلاد لا تقاس بقيمتها المادية ، بقدر ما تقاس بقيمتها الفكرية والحضارية .. والسي محمد منيس من أولئك الرجال الذين بصموا على تاريخ حافل بالعطاء المستمر. .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض