ثقافة

مناقشة أطروحة جامعية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

        نوقشت مؤخرا برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير أطروحة جامعية لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية ، تقدم بها الطالب الباحث السيد ادريس البوفي تحت عنوان : ” السياسة الحقوقية في المغرب ، المحددات ـ المؤسسات الفاعلة فيها ـ التجليات ” وقد تكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة:
ـ ذ. المهدي الفحصي ، رئيسا ومشرفا
ـ ذ. البشير المتاقي ، عضوا ومقررا
ـ ذ. عبد اللطيف الهلالي ، عضوا ومقررا
ـ ذ. محمد المجني ، عضوا ومقررا .
وبعد منقشة مستفيضة وغنية ، قررت لجنة المناقشة  منح الطالب الباحث السيد ادريس البوفي درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا .

  وفيما يلي تقرير شامل عن هذه الأطروحة الجامعية .
الإطار العام للبحث :

     يتطلب تحديث الدولة والمجتمع ، تنظيم العلاقات والتفاعلات بين الأفراد وفق المبادئ والمرتكزات الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان؛ بكل دلالاتها في الحرية والمساواة والعدل . ويعني ذلك تأصيل عملية التنظيم الاجتماعي والسياسي وفق محددات تعاقدية؛ وبنى مؤسسية حديثة. ومن هنا تعتبر الديمقراطية إطارا تنظيميا للحقوق والحريات وبناء المجتمع المدني.

فالسلطة العامة في الدولة؛ سواء كانت تنفيذية أو تشريعية أو قضائية؛ ملزمة بالاحتكام للقانون وللشريعة في سلوكها اتجاه الأفراد والجماعات . وإلا اعتبرت مستبدة وظالمة وأمكن مقاضاتها أو على الأقل مطالبتها بجبر الضرر، كما حصل مؤخرا بالنسبة للمغرب ومن خلال المصالحة مع الذات وطي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب.

فلم يعد يسمح بالقول ان انتهاك حق من حقوق الانسان كان تنفيذا لأمر أو تعليمات السلطة الرئاسية أو الجهل بالقانون طالما ان حقوق الانسان من السهل الاستدلال عليها ولو بالفطرة ؛ لأنها حقوق طبيعية ولصيقة بالإنسان باعتباره إنسانا .

   لعل ما يميز موضوع السياسة الحقوقية في  هو اتسامها بنوع من الراهنية الممتدة في زمن المستقبل ؛ ولا غرابة في ذلك فجل مواضيع حقوق الإنسان تحظى بأهمية بالغة؛ وذلك بارتباطها الأصيل بالإنسان في علاقته بالسلطة العامة و في علاقته بالسياسات العمومية في الدولة . فنظرية العقد الاجتماعي التي نادى بها “جون جاك روسو” والتي يتنازل بمقتضاها الأفراد عن جزء من حريّاتهم في سبيل الاستفادة من الحماية التي توفرها الدولة لا تعطي لهذه الاخيرة أي حق في الاستبداد والاضطهاد وانتهاك حقوق أفراد المجتمع .

     وانطلاقا من أن حقوق الإنسان دائبة التطور، أي  أن مفهومها مازال مفتوحا، وينتقل من مرحلة الى أخرى أرقى بمرور الزمن. بدأ هذا الموضوع يكتسي أهمية متزايدة نظرا أنه أصبح أداة نضال سياسي ضد مظاهر الاستبداد؛ ومن أجل الدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية ضد تعسف الدولة والسلطات المركزية؛ ومن أجل إنشاء دولة الحق والقانون . وتدبير سياسات عمومية ترفع الحيف والظلم على المستوى الاجتماعي.

واستنادا على هذه المقاربة التي تحدد أهمية حقوق الإنسان في بلورة الأسس والمداخل لبناء الدولة الحديثة نتلمس على وجه العموم ثلاثة أنماط من الخطاب والتي تكون وراء إبراز الاشكالية الحقوقية في المغرب على اعتبارها متشعبة وتخترق كل مجالات الحياة والمجتمع ومرتبطة مع طبيعة النظام الاقتصادي، والتوجه الاقتصادي المعتمد وطبيعة علاقات المغرب مع محيطه الاقليمي والقاري والدولي.

والحقيقية أن المغرب قطع أشواطا هامة في مجال حقوق الانسان ، لكن يبقى الورش الحقيقي لهذه الدينامية التي عرفها المغرب لا يكتفي بإصدار النصوص القانونية وتفعيل مضامينها بل يتعداه إلى التخطيط الاستراتيجي وبلورة سياسة حقوقية قابلة للتقييم المرحلي يكون في صلبها حضور حقوق الانسان .

  ومن هذا المنطلق يتبين أن التحدي الذي أدركه المغرب مبكرا هو ذلك  الجسر التي تمر منه الإشكالية الحقوقية بتشعباتها وتمفصلاتها ، لتصل الى سياسة حقوقية قائمة الذات لكنها في نفس الوقت تختلف عن السياسات القطاعية نظرا لطبيعة وخصوصية حقوق الانسان، فهي ذات منحى أفقي تطال به كل القطاعات من خلال امتداداتها على كل الأصعدة وفي كافة المجالات.

شروط ورهانات هذا التحدي :

استكمال بناء دولة الحق والقانون وبناء المؤسسات

التقارب بين النظام والمعارضة بهدف تصفية الأجواء ووضع حد لفترة طويلة من الصراع أملتها الاعتبارات التالية:

      (الوحدة الترابية – الأزمة الاقتصادية – ظهور قوى جديدة… )

الدوافع الخارجية التي كانت وراء انفتاح المغرب على حقوق الإنسان في بعدها الدولي وكما هو متعارف عليها عالميا .

إخراج قضايا حقوق الإنسان إلى فضاء السياسات الإجرائية العمومية.

فإذا تم استحضار تراجع تصنيف المغرب على مستوى المؤشر المركب للتنمية البشرية والذي يعتبر مؤشرا قويا على فشل استراتيجية التنمية المتبعة في بلادنا، والذي يعد من صميم الإشكالية الحقوقية،  لأن تراجع معدلات التنمية يعد انتهاكا جسيما يطال كل أجيال الحقوق المتعارف عليها. وذلك نتيجة عدم استقرار الخيارات الحكومية والتي تنعكس سلبا على السياسات العمومية والتي لا تعمر طويلا. الشيء الذي يجعل الإصلاحات المنجزة تبدو كما لو كانت ذات طبيعة ظرفية وليست هيكلية. الشيء الذي يترتب عليه غياب الإلتقائية فيما بين القطاعات.

– غياب البعد التشاركي في سيرورة وتنفيذ السياسات العمومية أدى إلى كثير من المشاريع والإنجازات الغير مكتملة.

   وفي هذا السياق،  ولتفادي غياب استراتيجية واضحة على مستوى السياسات العمومية؛ وكذلك لتصحيح مسار النهوض بحقوق الإنسان وتفادي الانتهاكات التي تشوب كل أجيال الحقوق المتعارف عليها كونيا. بات من الضروري الربط بين اتجاه تعزيز السياسات العمومية واتجاه ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان.

   تأسيسا على هذا المنطلق ، اعتمد المغرب الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان والتي تدخل في نطاق التخطيط الاستراتيجي لتحديث الدولة والمجتمع. والتي انطلقت سيرورتها منذ 2008 إلى حين تأكيدها في البرنامج الحكومي لسنة 2017 ضمن محاوره الخمسة على اعتماد سياسة التخطيط الاستراتيجي التشاركي في مجال حقوق الإنسان، فضلا عن تحيين خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان ابتداءا من 2018، وتطوير التعاون مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان بما يتلاءم مع الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.

في ضوء ما سبق ، أين تكمن أهمـــية هذا المــــــوضوع ؟

   تكمن في استحضار السياسة الحقوقية للاستفهامات السالفة ، و التي تنبع من السعي من السعي نحو التأسيس لرؤية تفعيلية لمحدداتها والمؤسسات الفاعلة فيها ثم تجلياتها في اطار الحقلين الدستوري والسياسي المغربي عامة والحقوقي خاصة، فالكتابات والبحوث الاكاديمية نادرة جدا، إن لم نقل غائبة تماما، نظرا لراهنية الموضوع ، مما دفع الباحث السيد البوفي إلى التعامل مع الوثائق والأدوات التي يشتغل بها الفاعلون من زاوية السياسة الحقوقية كسياسة عمومية ، وهو الأمر الذي سيتم استجلاؤه في مضامين القسم الثاني.

إن الموضوع الذي بين أيدينا ، من غير المشروع إعادة الخطاب الأحادي الذي ساد وما يزال يسود في مواقع ثقافية مختلفة باعتبار السياسة الحقوقية هي سياسة حقوق الانسان ومواضعها تتخندق حول الديمقراطية ومجالات الحقوق والحريات الأساسية ، ثم الشرعية الدولية  والبروتوكولات والاعلانات والاتفاقيات ،  بل الأمر يكتسي أهمية أكبر من خلال محاولة ملامسة ما هو متميز وراهني فيه . ويتعلق الأمر بالامتدادات من خلال دعامات أساسية للموضوع كمحددات له،  وبنى مؤسساتية ومدى فعاليتها فيه، في إطار نسق سياسي له قطبية أحادية تستأثر بصناعة السياسة الحقوقية وتتحكم في المؤسسات الفاعلة فيها.

  ترى ما هي الإشـــكالية التي تطرحها الــــــــدراسة :

 تأسيسا على هذا التصور ، والمقاربة المقتضبة التي قدم بها الموضوع ، نجده يطرح إشكالية كبرى تتجسد في : إلى أي حد ترقى السياسة الحقوقية الى بلوغ أفق تجلياتها ؟ من خلال سياساتها العمومية؟ ومن خلال محدداتها التي أسست عليها ؟ ثم مدى حضور ، وفعالية المؤسسات الفاعلة فيها ؟

   هذه الإشكالية المركزية تتفرع عنها مجموعة من الإشكاليات الفرعية المرتبطة أساسا بقضايا حقوق الانسان والتي تتموضع ضمن امتدادات الحركة السياسية  الديمقراطية بصفة عامة وترتبط بمشمولات ومحددات السياسة الحقوقية على وجه الخصوص وذلك بسعيها إلى الوقوف في الصف المجتمعي ضد الدولتي لضمان احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .

الإشكاليات الفرعية

  • كيف يمكن للسياسة الحقوقية أن تكون رافعة للتحديث والبناء التنموي ؟
  • هل بوسع الديمقراطية كمحدد للسياسة الحقوقية رفع التحديات الاجتماعية والسياسة القانونية؟ .
  • هل الحكامة الرشيدة قادرة على أن تقود الانتقال من الديمقراطية التمثيلية الى الديمقراطية التشاركية؟
  • كيف يمكن أن يصبح الحقوقي في قلب السياسي بهدف هيكلته وتأطيره على نحو يتماشى مع تحقيق التوازنات الاجتماعية؟ من خلال آليات صناعة القرار السياسي ؟
  • ما موقع الملائمة ضمن متغيرات السياسة الداخلية والخارجية ؟
  • هل تكتسي الملائمة حمولة قانونية صرفة ، أم تتعداها الى الحمولة السياسية ؟
  • كيف يمكن للقضاء ضمان الحقوق والحريات الاساسية وحمايتها في ظل ارتباطه بالإمامة العظمى وفي ظل غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة ؟
  • هل مؤسسة القضاء لها الجرأة الكافية لتجاوز اشكالية تنفيد أحكام ضد الادارة ؟ وتجسير الهوة للوصول الى العدالة الدستورية ؟
  • هل النسق السياسي بقطبيته الأحادية قادر على بناء سياسة حقوقية ؟
  • هل السياسة الحقوقية بحاجة الى تفكيك بنية السلطة في المغرب انطلاقا من التصرف اتجاه إرادة الشعب وكذلك التصرف اتجاه العدالة الانتقالية والوفاء بعدم تكرار ما جرى من انتهاكات جسيمة؟
  • هل المؤسسات الفاعلة في السياسة الحقوقية تملك سلطة التقرير ؟ وسلطة القرار أم أنها تكرس مكانة للمشورة ودرعا لتحمل الانتقاد؟
  • هل هناك جدلية علمية بين السياسة الحقوقية وتجلياتها ؟ أم أن تجلياتها منفصلة على بنائها ؟
  • هل اشكالية مقاربة إدماج النوع الاجتماعي تعكس الواقع أم لازالت هناك محطات يجب المرور منها لكي ترقى هذه السياسة إلى تطلعات الحركات النسائية بشكل خاص والمجتمع بشكل عام؟
  • هل هندسة سياسة دمج حقوق الطفل في السياسات العمومية ومراعاة مصلحته الفضلى ينطلق من مقاربة الواقع وتشخيصه ؟ وهل يتم وضع ميزانيات تتماشى مع ما يتم تسطيره وبرمجته على الورق؟

هنا تظهرالفرضيات الأساسية :

الفرضية الأولى : تقوم على فكرة أن النظام السياسي في المغرب اعتمد استراتيجية خاصة لتحديد معالم السياسة الحقوقية والتحكم في صناعتها، حيث انطلق من إعادة رسم صورته داخليا وخارجيا من خلال مراجعة وتحيين أدوات شرعنته التي أصبحت تنهل من دولة الحق والقانون أو السياسة الحقوقية في أبعادها المختلفة ، ثم اقرار دسترة نوعية لموقع المؤسسة الملكية، لكي يكون أكثر قبولا بالخارج وأكثر طواعية بالداخل ،وبالتالي هذه الاستراتيجية المعتمدة تعتبر السياسة الحقوقية سياسة عامة تدخل في إطار الطابق العلوي بتوظيف إمارة المؤمنين ، الذي يمكنها التحكم في جميع تفاصيل السياسة ، فهي المانحة للحقوق والحريات والمحدثة للمؤسسات والمشرعة للقوانين والمانعة لها في ذات الوقت ، ومن هذا المنطلق تظل السياسة الحقوقية مجالا محفوظا من حيث معالمها .

الفرضية الثانية :  تؤكد على أن بناء السياسة الحقوقية في المغرب يقتضي نوعا من التدرج والنضج على عدة مستويات .لأنه مرتبط بالطابق السفلي  وبمنظومة الحداثة ، وهذا يقتضي العمل على فسح المجال من جهة للقوى السياسية في المجتمع لتنمو وتترسخ وتهيمن على نحو تكون فيه قادرة للاضطلاع بمهامها التي وجدت من أجلها ولا شيء غير ذلك ، في إطار إصلاحات سياسية ودستورية تنضاف إلى المكتسبات السابقة ، ومن جهة أخرى أن تكون هذه القوى السياسية مؤهلة من خلال دمقرطة أجهزتها وإطاراتها وترسيخ تنشئة قادرة على الاستمرار والقيادة ،وتكريس ثقافة سياسية مواطنة إضافة إلى مجتمع مدني قوي ومستقل وقادر على الدفع بعجلة ارتفاع منسوب الوعي لدى المواطن. هذا التحديث السياسي هو الذي يكون قادرا على هندسة سياسة حقوقية ناجعة لمجابهة التحديات المتسارعة والمتطورة  وتتماشى مع تطلعات مغرب الغد .

فما هي المداخل الأساسية التي اعتمدها الباحث في أطروحته ؟

أولا: مدخل الديمقراطية :

    إن سؤال الديمقراطية بحمولته الحداثية / الليبرالية المتقدمة ، يقودنا إلى الانتقال إليها. لكن في ظل الاستثناء المغربي وخصوصيته يجعلنا في بداية الطريق ، حيث نجد أنفسنا مضطرين في كل مرحلة إلى العودة لنقطة البدء ،لأن هناك شيء ناقص دوما ، نتيجة غياب الطابع التعاقدي ،الذي أسسته الفلسفة الدستورية الحديثة ، وبعبارة أخرى الانتقال إلى الديمقراطية المنشود الذي يكون مدخلا حقيقيا لبناء سياسة حقوقية ناجعة يطرح من الناحية العلمية أحد الإختيارين:

  • إما ” التدرج ” وذلك بالعمل ، من جهة على فسح المجال للقوى الديمقراطية في المجتمع لتنمو وتترسخ وتهيمن ، والقيام من جهة أخرى، بدمقرطة الدولة بالانتقال بها إلى دولة مؤسسات تمثيلية حقيقية مع ما يتطلب ذلك من فصل للسلطات وإطلاق للحريات …إلى آخره .
  • وإما سلوك طريق آخر من خلال تحديث المؤسسة الملكية ، عبر ربطها بالمرجعية الدستورية الحديثة ﴿الملكية الدستورية﴾، وهو تحديث سيكون في مصلحة الشعب المغربي ، التواق لأن يكون شعبا ديمقراطيا ومتحضرا ، وسيكون في مصلحة المؤسسة الملكية التي ستكتسب شرعية شعبية مضاعفة ،باعتبارها استطاعت تحقيق التفاعل مع طموحات الشعب المغربي. وبالتالي مطلب الديمقراطية كأحد المداخل والمحددات الأساسية لموضوع السياسة الحقوقية مرتبط بإحدى الاختيارين السالفين.

ثانيا: مدخل الملاءمة :

الملاءمة معطى تقني له امتدادات قانونية تستهدف الربط بين الإجراءات المتخذة لتحقيق توافق بين السياسة والقانون الوطنيين ومضامين التشريعات الدولية المصادق عليها ، وجعل التشريعات الوطنية ، من جهة مواكبة لمستجدات التحولات العالمية في مجال الحقوق والحريات الأساسية ، ومن جهة ثانية تعديل وإلغاء القوانين والأعراف والممارسات التي لا تتماشى مع المعايير المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان .

الملاءمة هي تقنية تثبيت الحقوق والقواعد الوقائية والحمائية في التشريعات الوطنية ، وهي بهذا المنحى تربط الحق بالقانون في إطار توازنات سياسية تأخذ منحى إعادة الاعتبار للقانون كمنطلق وكمدخل أساسي لبلورة مشروع المجتمع الحداثي . وبالتالي سؤال مدى حضور الملاءمة كمحدد في مجال السياسة الحقوقية كقاعدة مكتملة أم في طور التشكل في ظل نظام سياسي يتسم بتجميع بنية السلطة ،وقائم على الازدواجية ؟ يظل حاضرا وبقوة . ومن هذا السؤال ينسل سؤال آخر ، يعني ما مدى امكانية تقنية الملاءمة في ترحيل قواعد دولية متعارف عليها كونيا من خلال ثقافة حقوق الإنسان بوسائل وطنية محدودة ؟

ثالثا: المدخل القضائي :

  إن المبدأ الظاهر لقوة القضاء واستقلاله ، هو الاعتراف به كسلطة مستقلة في أداء مهامها ، واعتبار القضاة مستقلين ، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون .

لكن حالة القانون في المغرب ظلت بعيدة عن هذا المبدأ ، وظل النظام القضائي تشوبه النقائص وعلل الفساد الماسة باستقلال السلطة القضائية بالرغم من الاصلاحات التي حدت من هذه الاختلالات كتدخل السلطة التنفيذية ، وموقع النيابة العامة ناهيك عن معضلة تنفيذ الأحكام ضد الإدارة ،ومشكلة التعويض عن الأضرار الناجمة عن انتهاكات جسيمة ،واعتداءات مادية للإدارة تجاه الأفراد والجماعات، وإشكالية الولوج إلى العدالة الدستورية والارتشاء . كل هذا يعد اختبارا لمدى استقلال القضاء ومدى فرض موقعه كسلطة حقيقية.

تأسيسا على ما سبق ، ماهي المناهج المتوسل بها في هذه الأطروحة ؟

    يرى الباحث السيد ادريس البوفي أن الضرورة المنهجية والعلمية  للإحاطة بجميع الإشكالات والاستفهامات التي يطرحها الموضوع والالمام بجميع العناصر المؤثثة له ، تقتضي عدم التقيد بمنهج واحد حتى يتسنى الاستفادة من الآليات التي تضعها رهن إشارة الباحث .

المنهج التاريخي :

 من خلاله تناول الباحث الموضوع في سياقه التاريخي الذي طرح فيه وبناء سيرورته بدءا من تسعينيات القرن الماضي، وكذلك مسارات بعض المحطات الأساسية للسياسة الحقوقية ، كالتصرف اتجاه الانتخابات التشريعية ، ومسار التصرف اتجاه العدالة الانتقالية ،ثم مسار القضاء الإداري والدستوري واقفين عند تأصيل بعض المفاهيم المفتاحية ، كلما تطلب الأمر ذلك .

المنهج القانوني :

من خلاله تم التركيز على المعطيات القانونية المؤطرة لكل جانب من عناصر السياسة الحقوقية وتحليل العديد من النصوص القانونية من خلال بعض القراءات فيها. واقفين على النقائص والثغرات التي قد تكتنف ثنايا هذه النصوص ، فضلا عن الوثيقة الدستورية باعتبارها الإطار الأسمى للحقوق والحريات الأساسية ، كانت سياسية أو اجتماعية .

المنهج التحليلي :

استعان به لتحليل الأسباب والمسببات التي كانت وراء بناء السياسة الحقوقية وكذلك وراء العدالة الانتقالية ووراء كل التكيفات والاحتواءات التي تطال عناصر ومكونات وتفاصيل المحددات المؤسسة للسياسة الحقوقية .

المنهج النسقي :

ساعده على فهم العلاقات بين الأنساق الفرعية والتأثيرات المتبادلة فيما بينها وبين النسق الكلي الذي يصب في إطار السياسة الحقوقية ومدى تجاوبها مع المكونات المنفصلة لها ، على اعتبارها أهم مخرجات النظام السياسي ، ومن خلاله يتم الوقوف على حضور الإلتقائية من عدمها في السياسات العمومية والتي سيتطرق لها الباحث خاصة في الشق الثاني من هذا الطرح ذات الصلة بقضايا حقوق الإنسان.

المنهج الوظيفي :

 حاول من خلاله الكشف عن الوظائف التي تضطلع بها الأنساق الفرعية فيما يتعلق بالسياسات العمومية كتجليات للسياسة الحقوقية ومدى تطبيق الأسس الديمقراطية والملائمة القانونية والضمانات الحمائية ، كمحددات للسياسة الحقوقية، وبلورتها في اتجاه خدمة التنمية وبالتالي خدمة الإنسان ،وذلك في إطار النسق السياسي والحقوقي ككل .

وبناء على ما سبق سيتم تقسيم الموضوع إلى قسمين:

القسم الأول: السياسات الحقوقية بين محدداتها والمؤسسات الفاعلة فيها :

الفصل الأول: محددات السياسة الحقوقية :

الفصل الثاني: المؤسسات السياسية والدستورية الفاعلة في السياسة الحقوقية

القسم الثاني: تجليات السياسة الحقوقية في المغرب  على المرأة والطفل :

الفصل الأول: السياسة الحقوقية وإشكالية النوع الاجتماعي

الفصل الثاني: السياسة الحقوقية وإشكالية حماية حقوق الأطفال

نـــــتـــــائـــــج وتـــــوصيـــات :

– إن المزج بين منظومتين متناقضتين مؤاده ، تجسيد قطائع في الفكر السياسي الحديث الشيء الذي يكرس إعاقة الانتقال الديمقراطي نحو الدولة المدنية الحديثة.

2- دستور 2011 أحسن بكثير من الدساتير السابقة، لكن لازلنا بعيدين عن فصل السلط بشكل حقيقي الشيء الذي يحد من بناء سياسة حقوقية تروم طموحات المواطنين وتناشد الحداثة.

3- تسجيل احترام نسبي للإرادة الشعبية بالرغم من الحياد السلبي للإدارة بغض النظر عن القوانين المؤطرة والهندسة القبلية والنتائج التي تفرزها الاستحقاقات الأخيرة في ظل دستور 2011.

4- عدم الكفاية من حيث  الالتزام والوفاء في عدم تكرار ماجرى بعد محطة الانصاف والمصالحة فمزيدا من الاصلاحات السياسية والدستورية التي تروم البعد التنموي.

5- المزيد من تكريس ثقافة سياسية وبناء قوى سياسية مؤهلة لاتقبل إلا بالشروط التي تكون في صالح الديمقراطية وليس القبول مقابل تأجيل الديمقراطية .

6- المجتمع المدني ومن خلاله الحركة الحقوقية يجب أن يضطلع بالمهام التي أنيطت به ورفع التقارير الموازية بدون مزايدات مع الترافع البناء.

7- الملاءمة لها دور في أنسنة العمل السياسي وإعادة هيكلة الترسانة القانونية والمفاهيمية لحقوق الإنسان عبر ترحيل ماهو كوني وعالمي إلى الوطني ثم المحل واليومي.

8- ضرورة إصلاح المنظومة القضائية لتحقيق مزيد من الحماية المقرونة بالضمانات واحترام الحقوق والحريات الأساسية وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة .

9- تفعيل الاختصاص بالشكل المطلوب على مستوى المؤسسات الوطنية الفاعلة في حماية الحقوق والحريات والارتقاء بها من مستوى الاستشارة إلى مستوى القرار.

10- الانفتاح على الشبكات و الجمعيات النسائية و الحقوقية و الجمعيات الهادفة إلى تنمية الديمقراطية والتنسيق معها حول القضايا المتعلقة بالمرأة و الديمقراطية .

11- مقاومة كل أشكال التمييز ضد المرأة و دعوة الحكومة التسريع بوتيرة ملائمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية و البروتوكولات المرتبطة بها ، مع رفع ما تبقى من التحفظات.

12- ضرورة معاملة المرأة باعتبارها رأسمال بشري منتج يجب استثماره لما فيه مصلحة الوطن.

13- محاربة الفقر و الأمية و الهشاشة أينما كانت خصوصا بالعالم القروي لأن التعليم هو المدخل الطبيعي و مفتاح الحياة السياسية و حق من حقوق الإنسان.

14- بلورة استراتيجية إعلامية تهدف إلى الارتقاء بصورة النساء في مختلف وسائل الإعلام مع ضمان حقهن في التعبير و الدفاع عن قضاياهن.

15- المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات والذي يسمح بتقديم تصريحات ضد انتهاك الدولة الطرف لأي حق من الحقوق المتضمنة في اتفاقية حقوق الطفل و البروتوكولات الاختيارية الملحقة بها.

16-  تعزيزالإلتقائية فيما بين السياسات العمومية ذات الصلة بحقوق الطفل ( السياسة العمومية المندمجة للطفولة ، الخطة الوطنية للديمقراطية و حقوق الإنسان … ) و تقييم نجاعتها وفعاليتها، لتحديد أوجه القصور و معالجتها .

17- العمل على تبادل الاعتراف على الصعيد الدولي بالمؤسستين معا ـ الكفالة و التبني ـ من خلال اتفاقيات ثنائية و متعددة الأطراف.

18- العمل أيضا على عقد اتفاقيات ثنائية و متعددة الأطراف خاصة في مجال التعاون القضائي الدولي لحماية حقوق الأطفال المهملين ببلاد المهجر.

19- المزيد من العمل و تضافر الجهود لحماية الأطفال المهملين و البحث عن الحلول الممكنة لمحاصرتها و منع تفشيها.

20- التفكير على إصدار مدونة خاصة بحقوق الطفل تتضمن جميع القوانين الصادرة في هذا المجال.

وتبقى  إشكالية السياسة الحقوقية  مفتوحة على سيرورات مستقبلية …
هذه باختصار أهم المضامين والنتائج والتوصيات التي انتهت إليها هذه الأطروحة . ويبدو أن الطالب الباحث السيد ادريس البوفي قد بذل مجهودا جبارا في إنجاز هذا العمل الذي يعد قيمة مضافة في مجال البحث العلمي ، خاصة في موضوع السياسة الحقوقية في المغرب .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 − 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض