
معضلة صعبة بين رفع الأجور واحتواء التضخم في الولايات المتحدة
بعدما شهدت الرواتب في الولايات المتحدة ارتفاعا بسبب نقص في اليد العاملة في السنتين الماضيتين، بدأت مؤشرات الاعتدال تتبلور اليوم، وهو شرط لا غنى عنه للجم التضخ م الشديد غير أن المخاطر ما زالت قائمة.
ولفتت نيلا ريتشاردسون كبيرة الاقتصاديين في شركة “ايه دي بي” التي تتولى إدارة مدفوعات الرواتب وتنشر دراسة عن العمالة في القطاع الخاص كل شهر “نلاحظ تراجعا للضغوطات على الرواتب”.
وأقرت نيلا ريتشاردسون خلال مؤتمر عبر الهاتف “إنه لأمر إيجابي، إذ لا بد من أن تتقدم الأجور بوتيرة سليمة كي يتراجع التضخم”.
لكنها أشارت إلى أن النبأ ليس إيجابيا إلى هذا الحد بالنسبة إلى العمال، إذ إن “الأجور لا تواكب تضخما جد شديد، بالرغم من مستوياتها المرتفعة”.
غير أن المنحنيين باتا يتقاربان، فقد تباطأ التضخم في نوفمبر إلى 7,1 % في خلال سنة، في مقابل 7,7 % في كتوبر، وفق مؤشر “سي بي آي” القائم على المعاشات التقاعدية الأميركية.
لكن ارتفاع الأجور “ما زال يمثل خطرا على التضخم، لا سيما في مجال الخدمات إلى المستهلكين”، بحسب ريتشاردسون.
تنشر وزارة العمل الجمعة الأرقام الرسمية للعمالة في ديسمبر. ومن المقدر أن تكون الأجور قد نمت بواقع 0,4 % بالمقارنة مع نوفمبر، في مقابل 0,6 % في أكتوبر ونوفمبر.
وفي خلال سنة، كان التقدم بمعدل 5,1 %، أي أدنى من المستوى القياسي المسجل في مارس 2022 عند 5,6 %.
غير أن “الشركات ما زالت ملزمة رفع الأجور لاستبقاء العمال وسد الوظائف الشاغرة”، وفق ما كشفت جوليا بولاك كبيرة الاقتصاديين في موقع إعلانات الوظائف “ZipRecruiter”.
وهي توقعت في تصريحاتها أن “يبقى ضغط الأجور تصاعديا في المستقبل القريب”، لا سيما أن نقص اليد العاملة قد يتواصل.
فهذا النقص “هيكلي” والسوق بحاجة إلى “4 ملايين شخص”، بحسب ما قال في ديسمبر جيروم باول رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي.
ويعزى الوضع بجزء منه إلى تقاعد الكثير من العمال منذ بدء انتشار الجائحة التي أودت بحياة 1,5 مليون شخص، بالإضافة إلى هجرة غير كافية نتيجة سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإغلاق الحدود الأميركية لمدة سنة ونصف السنة بسبب كوفيد-19.
من ثم، يصعب على أصحاب الأعمال في الولايات المتحدة منذ سنتين إيجاد ما يكفي من عمال نظافة وسائقين ومدرسين وغيرهم. وهم باتوا يعرضون تأمينا صحيا أفضل ودوامات عمل أكثر مرونة أو أقصر واحتمال العمل من المنزل ومزيدا من المال، في مسعى إلى استقطاب المرشحين.
وسجلت أولى الزيادات في الأجور في أوساط العاملين في مجال الصحة والبيع بالتجزئة الذين كانوا على الخطوط الأمامية بالرغم من المخاطر المحدقة بهم.
وكرت السبحة لتشمل قطاع الفنادق والنقل واللوجستية “حيث تعد الأجور منخفضة نسبيا وحصل الموظفون من خارج الملاك الوظيفي على زيادة في الأجور تخطت 10 % لفترة من الفترات”، بحسب جوليا بولاك.
وقدمت هذه الزيادات لمواجهة إغراءات العمل من المنزل المقرون بمنافع عدة تجذب الكثيرين. وعلى سبيل المثال، “بات من الممكن تنفيذ مهام مساعدة الزبائن التي كانت في السابق تقام في أماكن ضيقة نسبيا في مراكز اتصال شديدة الضجة” عبر الإنترنت من المنزل.
غير أن تباطؤ ارتفاع الأجور بات اليوم عاملا مهما للاحتياطي الفدرالي في مساعيه إلى احتواء التضخم. فالبنك المركزي الأميركي يبطئ عن قصد النشاط الاقتصادي مع رفع نسب الفائدة لهذا الغرض، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر زيادة البطالة.