
صورة المرأة في الشعر الملحون
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة تخليد اليوم العالمي للمرأة ، كان لا بد من الإشارة إلى أن الملحون المغربي قد تناول في غير قليل من القصائد المرأة كنموذج إنساني يمتاز بخواصه الذاتية التي يحملها معه ، مما يؤكد حضورها القوي في مختلف المجالات .
ومعلوم أن المرأة ظلت في الإسلام تحتل مكانة أعلى وأرفع مما احتلته في الجاهلية .. ألم تكن السيدة خديجة رضي الله عنها ، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أرملة لها شخصيتها ومالها ومكانتها الرفيعة في مجتمعها ..فقد كانت أنموذجا لشريفات العرب ، أجاز لها الرسول الكريم أن تستزيد من العلم والمعرفة كالرجال تماما .. وسار الركب وشاهد الناس سيدات يدرسن القانون والشريعة والطب والهندسة ، ويلقين الدروس والمحاضرات .. وبذلك ، لمعن من بينهن أديبات وشاعرات وعالمات في مختلف الميادين دون أن يكون في ذلك خروج عن التقاليد .
لذلك ، فالذكورة والأنوثة جزآن متساويان في حمل أعباء الأمانة الإنسانية التي لا تتكامل معطياتها إلا بهما .. فكلاهما متمم للآخر ومكمل له ، إذ لكل دائرته ومجاله واختصاصه .
وهكذا ، لم تتخلف المرأة عن مشاركة الرجل في بناء الصرح الاجتماعي والمعرفي .
فهي إنسان كريم ، وأسمى ما فيها إنسانيتها الرفيعة . وهذا ما حدا بشاعر الملحون إلى أن يولي في قصائده العناية والاهتمام المطلوب إزاء المرأة .. فكانت الأشعار ذات المنحى الاجتماعي والإنساني ، خير وسيلة يعبر فيها الشاعر بكل حرية وصدق عما يشعر به تجاه المرأة من خلال تجربته وممارسته للحياة . ومن ثمة ، عبر عن حبه وعشقه ، كما أفاض في التعبير عن أحاسيسه وانفعاله وعاطفته لأجل أن يحقق غايته التي لا تحيد عما يليق بالمرأة من تقدير واحترام ، كاشفا عما يخالجه من شعور اتجاهها . وعلى الرغم من وجود القصائد التي تتغزل بالمرأة في الشعر الملحون ، فذلك نوع من المناجاة الذاتية ، وليس تنقيصا من قيمتها وكرامتها ونيلا من إنسانيتها . ولعل قراءة فاحصة لغير قليل من هذه القصائد ، كفيل بأن يكشف عن النظرة الحقيقية لشاعر الملحون وهو يتحدث عن المرأة. فهي جزء لا يتجزأ من كيانه ووجوده وكينونته . ذلك أنها كانت دائما وقودا لشعره ، تلهمه بجمالها وأخلاقها ومكانتها . فهي كيان يعتقد شعراء الملحون في قدسيتها ويرتفعون بها إلى أسمى مراتب الجمال والاعتبار ، ” نظروا إليها بحسهم مفتونين بجمالها ، ورسموا لها لوحة واضحة الملامح ، زاهية الألوان ، ونحتوا تمثالا متحرك الأطراف مكشوف الملامح دقيق القسمات ، كل ما فيه رائع فتان ، يحرك القلوب ويهيج الخواطر ، أودعوه تصورهم للجمال كما تهواه نفوسهم ، وليس كما هو في الواقع ، فجاء بذلك مثلا لا يعني امرأة بعينها وإنما نموذجا نسجوا جميعا عليه . فقد وضعوا المرأة في مقام رفيع ، ونظروا إليها مخلوقا متفوقا ممتازا هو جوهر الحياة ومحور الكون . وهي نظرة مقدسة للجنس الآخر . ”
هكذا إذن ، نجد المرأة تختال عبر قصائد مستقلة ، ذلك أن بعض شعراء الملحون لا يجنحون لإبراز العلاقة الروحية بين الرجل والمرأة ، بل تجاوزوها للتعبير الحسي المباشر
على حد ما سنرى لاحقا .
لقد احتلت المرأة عند شعراء الملحون مكانة جليلة ، فمن قصائدهم ما يكشف عن طبيعتها..ويدل هذا على أنها في الشعر الملحون قد نالت حظا من العناية والاهتمام . وبذلك كان لها أثر كبير في إذكاء شعور شعراء الملحون ، كما كانت إلهامهم في كل جوانب حياتهم . وكانت السمة العامة المسيطرة على القصائد الملحونية ، هي السمة المادية الشائعة بين الشعراء الذين نظموا في الغزل الحسي . وهكذا انصب حديثهم عن المحبوبة ، واعتبروها مصدرا للحياة والإلهام .
لقد كان حب شعراء الملحون للمرأة ، حالة مجردة ، يتعدى عادة الذات إلى الموضوع .. ومن ثمة ، كان حديثهم عن المرأة ضرورة في شعرهم ، وكان المطلوب من هذا الشعر ، الرقة وإظهار الصبابة .. فربطوا ربطا محكما بين بين حب المرأة ورقة الشعر ، فجاء شعرهم متكاملا في صورته ، على اعتبار أن الصورة الشعرية تعد عنصرا مهما من عناصر العمل الأدبي والإبداعي ، سواء كان مدرسيا أو شعبيا . فالذي يطالع مقطعا شعريا ، لا شك أنه سيجد فيه أبعادا ثلاثة : الصورة الصوتية ، أي ما يمكن أن يكون للألفاظ من جرس إيقاعي ، والصورة المرسومة بما تحمله من ألوان وبيان وأبعاد مكانية ، ثم الصورة الفكرية أي ما للغة من دلالة ووظيفة .
وحتى نقرب هذه الصورة أكثر ، نورد بعض النماذج الشعرية . فهذا شاعر أسفي الشيخ الطالب بنسعيد يرسم صورة جميلة للمرأة . استهواه جمالها ، فزاد ذلك في تعلقه أبها ، فأتيح له أن يعبر عن موقفه اتجاهها ، وهو موقف المحب المستهام . يقول شاعرنا :
عيني أسباب عشقي رمقت بها أرميق
وانظرت الحيا والموت أفلرموق والشفر أفنحرى وخموق
كــــيلـوح العشـك فغمــــــــــوق يـــريـــق ارمـــــــــــوق
طـغــي أشريــر مــرمـــــــــوق جدبــــان ناحر أحمــــاق
ولا يـرمــق فيــك تـحمــــــــاق زكت أفحرم أسعيت تلماقي
وخضعت للبها شوفت لرمـــوق لرماقي لرماقي أسباب عشقي
ســيــفـــــو لــرمـيـــــــــــــــــق حــرش عــنـي رمــــــــق
ليا ادوات ولفي قالت لي ياعشيق
أنت فصورتي وجمالي معشوق فيك ظهرت نيران الشوق
وصف اجمالي يامعشـــــــــوق قــــلت بـــرشـــــــــــــوق
أجـــي نشــــــوف ونشــــــــوق ومنيـــن الفجــــر شـــــق
البـــــــاب انـــــشــــــــــــــــــق بيـــــدهـــــــــــا شــــــــــق
تسمـع مـن قـال خـذ لـوشاقــي هاني جيت عندك هيا معشوق
فالشاعر إذن يكشف عن حالة وجدانية اتجاه المرأة ، يعبر من خلالها عن قربه منها وعشقه لها ، والرغبة في توفير كل ما يستطيع من أسباب العفة والكرامة لها .
وفي قصيدة أخرى للشيخ مولاي اسماعيل العلوي سلسولي ، نجده يرسم للمرأة صورة رائعة تخطف الأبصار وتأسر العقول . يقول في قصيدة ” نزهة ” :
يا من شرفك المولى وعطاك ملك وحكام
وزاد البها فحروفك تنسيق بالمهارة صنع وتدقيق به سلبت عقلي تحقيق.
فالمرأة هي عماد المجتمع وركيزته وركنه الأساسي الذي لا يمكن أن يستقيم إلا به ..لذلك كان شاعر الملحون دقيقا في نظرته إلى المرأة ، ومصيبا في تقديره لها ، يظهر ذلك واضحا في قول الشيخ أحمد سهوم :
بقبول لالة يجعلني عارف لو إيكون ضميري تالف
قلب ذاتي عنها تــــــالف ما انخالف عفة أبقول واصف
هاك أراوي اجويهراتأنظيفة وقــولهـا بـلا تـكـليفـــــة
وصم سمعك عن غتابي ولا اتواخذ لوامي ساكنه اغفا
..
وسلامتي لالــــــة لطيفة في اقصايدها اللطيفــــة
نور شعري من در ابها اضيا عياني لطيفة شارد لعفا
وفي الاتجاه ذاته ، يقول في حربة قصيدة ” هاجر” :
يا اعبير اعبق جو الدار يا اثريا من كل انوار يا مستودع لسرار
لالــة هاجر
بالهيبة ذا اللــه الا اتصيف اعبارة ..
ولو حاولنا استعراض مختلف الصور التي يعج بها الشعر الملحون في مجال الحديث عن المرأة ، لتطلب منا ذلك موضوعا مستقلا ومسهبا ، لأن شعراء الملحون نظموا الكثير من القصائد حول المرأة ، فجاء شعرهم عنها تصوير موضوعي ، كله تقدير وحب وامتنان
تتناسق صوره ومعانيه في تآلف متكامل ، لدرجة أننا نحس في شعرهم بعمق العاطفة وسموها وصدقها .
لقد جعل شعراء الملحون من المرأة فكرا حيا وخصبا ، التقطوه من محيط حياتهم اليومية من خلال تعاملهم معها ، فهي الأم والأخت والزوجة والحبيبة .. حيث نزعوا عنها كل الأقنعة ووضعوها في محيط شديد الشوق والهيام ، عارم النشوة بالحياة ، علاوة على شعورهم بمحبة فائقة لهذه المرأة . لذلك ، كانت المرأة هدفا كبيرا سمت إليه همة شعراء الملحون ، فجاءت في شعرهم على شكل صورة جميلة مليئة بالحب والسلوان .. فكل التقدير والاحترام والمحبة للمرأة في يومها العالمي ، وكل عام وهي بألف خير .