
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة التاسعة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
ومن خلال مؤلفات الفقيه الكانوني الكثيرة والمتنوعة، يتبن واضحا ان هذا الرجل كان دؤوبا على العمل. مشاركا في مختلف المعارف، يجمع بين الفقه والحديث، ويحرص على تصوير كثير من المظاهر الاجتماعية بأسلوب جميل جذاب، وذلك ما يتجلى بوضوح في الموضوعات التي تطرق إليها في بعض تآليفه، وكمثال على هذا نذكر ما أورده حين تحدث عن التحقيق في أمر الضريح المسمى:” سيدي أبو الذهب” وغيره من المقامات كمثل مقامات الشيخ عبد القادر الجلاني، مع أنه لم يدخل المغرب قط.. يقول” الفقيه الكانوني” في هذا الصدد:” وقد ابتلى الناس من هذه المقامات بداهية عمياء، إذ بينما نحن ننظر فيما دهينا به من القبب المزخرفة على أصحابها الحقيقيين. والحال أن الفقراء والمساكن في مضيعة يموتون جوعا، والناس يتباهون في زخرفة الحيطان وتنميقها وإنفاق جلائل الأموال عليها واتخاذها شبكة لاصطياد الحطام الدنيوي؛ إذ ظهر لنا ماهو أدهى وأمر، ألا وهو تشييد القبب على مواضع لم يدفن فيها أحد، بل بنيت لمجرد رؤيا منامية، أو لكون الصالح الفلاني مر منها أو جلس أو رغبة منهم في جمع الحطام، قبح الله المطامع ولا بارك في أهلها. وهذا هو السر في كثرتها كمثل مقامات الشيخ عبد القادر الجيلاني مع أنه لم يدخل المغرب قط.. وقد شيدت قبة بقبيلة عبدة حوز أسفي أواسط القرن الماضي (التاسع عشر) بموضع عرف بالمقام ادعى أنه مقامه، بناها رجل اسمه الحاج سلام شرق وزار الشيخ عبد القادر، ولما رجع بنى له هذه القبة ليستغلها جزاء رحلته إليه، وبفاس خصص الجهلة ناحية من كلية القرويين وسموها خلوة الشيخ عبد القادر، ويتمسحون بالماء المار محاذيا لها خارج المسجد…”
ومؤلفات الكانوني متنوعة الاتجاهات، متعددة الاختصاصات ، تدل على موسوعة ثقافية تستمد أصولها من علوم الدين واللغة وكتب الأدب والتاريخ ..وجل مؤلفاته ما يزال مخطوطا. والخزانات التي تضمها تكاد تكون مجهولة.. ولأستاذنا الدكتور سيدي محمد بنشريفة حفظه الله ، فضل كبير في التدليل عليها والتعريف بمحتوياتها ونأمل أن يقيض لها الله من يفكها من أسرها لينتفع بها عموم الناس. أما كتبه المطبوعة فثلاثة: الأول منها كتاب:“أسفي وما إليه قديما وحديثا” طبع سنة 1353هـ بمطبعة مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى، أي قبل وفاة الكانوني بأربع سنوات. وعدد صفحات هذا الكتاب مائة وثمانون من القطع المتوسط. وفيه يتحدث عن الصحراء المغربية والروابط الأصلية التي تربط بين البربر والعرب.
والكتاب الثاني بعنوان: “جواهر الكمال في تراجم الرجال” وقد طبع في 29 جمادى الثانية عام 1356 بالمطبعة العربية بالدار البيضاء، وعدد صفحاته لا يتجاوز المائة والخمسين. وهو كتاب يعطي فيه فكرة عن حياة بعض رجالات مدينة أسفي ابتداء من القرن الخامس الهجري إلى حوالي القرن الرابع عشر. أما الكتاب الثالث فهو بعنوان: “الرياضة في الإسلام” وطبع بالمطبعة الاقتصادية بالرباط سنة 1354 هـ أي السنة الموالية لطبع كتابه الأول، وعدد صفحاته ستون. وفيه يتحدث عن قيمة الرياضة البدنية وعن مدى اهتمام المسلمين بها مبينا بعض أنواع الرياضة التي كان يعالجها الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة الكرام. ولا ننسى ما كان للرجل من وقفات وطنية صادقة.. فقد قضى سنوات كثيرة من حياته يناضل الاحتلال الفرنسي، وينتقل إلى معتقل إلى آخر، كما كان لسان المجاهدين في مدينته؛ فلم يترك مناسبة وطنية إلا وشارك مناضلا انتقل إلى رحمة الله سنة 1938 ودفن بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء.
وفي ذكرى تأبينه، رثاه الأستاذ محمد بن علي الريفي قائلا:
فقد المغرب من أنصـــــــــاره علما الغالي معدوم القريــــن
علما في دوحة الفضل قضـــى لرجال العلم والدين المتيـــن
علما كان مثالا صالحا مثلا أسم من بقايا المسلمين الأوليــــن
خلق سهـــل وديـــن قيـــــــــــم خدمه العلم وتعليم البنـــــــن
مع أعمال له من ضمنهــــا كان يخفي الحق طوع المغرضين
لم يدار الناس إرضـــاء و لا عزة النفس وثروات اليقيــــــــــن
عاش حرا يحمد الله علــــى وطــن عـن نصره العلم ضنين
يخدم العلم لأجل العلـم فـــي يكرم الغفل وينسى النابغيـــن
أيها الراحـل نلـت المبتغـــى سيد حر وأحيا من هجيــــن
ويقول عنه العلامة محمد المختار السوسي:” رحمك الله أيها الأخ الكانوني ويجعل متواك في أعلى عليين، فسقيا لدهر كان فيخ الاجتماع معك …. بك منتظما. فإن تذهب اليوم عن هذا الوجود، فلن تذهب ذكريات ولا وقفت نبضات أفئدة لك في الدورة العلا من إخلاص عظيم..”