ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 28

 إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

محمد امجيد :
 لا يذكر اسم محمد امجيد إلا مقرونا بالوطنية الصادقة، والحب المكين لوطنه المغرب. فقد ندر الرجل حياته ـ رحمه الله ـ لخدمة قضايا وطنه بكل صدق وأمانة وإخلاص. والحقيقة أننا لو شئنا أن نتحدث عنه بما هو أهله، لاحتجنا إلى مجال لا تتسع له هذه المساحة من السلسلة عن رجالات أسفي المسموح بها.. ومع ذلك، نسعى ـ جهد الإمكان للوقوف عند بعض الإشارات التي نرجو أن تكون، على قصرها ومحدوديتها ، معبرة ودالة، نظرا لموقع ومكانة السي محمد امجيد في وطننا، وليس في أسفي فقط.
وليس يخفى أن السي محمد امجيد ينتسب لأسرة متوسطة الحال، محبة للعلم والورع، تنحدر من مدينة فاس، وبالضبط من منطقة أولاد جامع. قدم والده إلى أسفي للاشتغال في مجال التجارة المرتبطة بالميناء، حيث يتم تصريف البضائع التي تصل إلى الميناء، ومنها إلى مراكش.. ويشاء القدر أن يكون مولد السي محمد بأسفي، حيث بها نشأ وتربى وتعلم. وبعد حصوله على الشهادة الثانوية آنذاك، سينتقل إلى الرباط لاستكمال دراسته بكوليج مولاي يوسف، لكون مدينة أسفي لم تكن تتوفر على بنيات دراسية تتيح للتلميذ متابعة تعليمه. وفي كوليج مولاي يوسف بالرباط، ستجمعه نفس طاولة الدراسة مع المناضل المرحوم المهدي بنبركة وآخرين.. ومن هنا تولدت لديه نزعة الاحتجاج، ذلك أنه كان يتقاسم مع رفيقه بنبركة الدفاع عن مصالح الطلبة بالمؤسسة. تزامن ذلك مع إصدار الحماية الفرنسية للظهير البربري سنة 1930، حيث شارك في أول إضراب للاحتجاج ضد غصدار الظهير المشؤوم. فتلقى عقابا بالطرد من الكوليج من طرف مديرية التربية الوطنية، لولا دفاع المدير عنه أمام إدارة الثانوية حتى لا يتعرض للطرد. وإدراكا من المستعمر لخطورة التلميذين (امجيد وبنبركة  تمت إحالة بنبركة على (ليسي كورو ـ الثانوية التأهيلية الحسن الثاني بالرباط اليوم) كما تم إلحاق امجيد بكوليج مولاي إدريس بفاس. وهكذا تسنى له ـ ومنذ وقت مبكر ـ أن ينخرط في الحركة الوطنية ويحتك برجالاتها من أمثال الأستاذ قاسم الزهيري والأستاذ بوشعيب اليزيدي والأستاذ الهاشمي الفيلالي وغيرهم من الوطنيين  إذ على أيديهم، تلقى السي محمد امجيد أولى دروس الوطنية.  فقد نشأ مع هؤلاء الرواد وتلقى على أيديهم العمل الوطني، ومن ثمة، ستظهر مساهماته في وقت مبكر وفي سن مبكرة، وسيكون له حضور وازن ووجود قائم.. وهكذا استمر السي محمد امجيد يعمل في الحقل الوطني بكل الصدق وبكل الإخلاص وبكل التفاني وبكل المفاهيم التي كانت عليها الوطنية أيام ازدهارها وعنفوانها، ونرجوها أن تستمر وأن تبقى شعلة تذكي في نفوس الشباب والأجيال الصاعدة  وفي هذا النطاق الوطني، تقوى لدى مترجمنا العمل الوطني، وهو ما كان يظهر في مجالات مختلفة، وفي طليعتها المجال الرياضي، إذ كان السي محمد امجيد منخرطا في فريق الكرة للثانوية التي كان يدرس بها.. وعبر هذا المجال كان يتجسد التكتل في ممارسة الحق في الدفاع عن الوطن والتفاعل مع شكاوى المواطنين ضد شراسة المستعمر الفرنسي.، فكان ذلك منطلقا للمطالبة باستقلال المغرب والمطالبة بالسيادة المطلقة.

لا ننسى أن نذكر شخصية جد مؤثرة في المسار الوطني لمحمد امجيد، يتعلق الأمر بالحاج محمد الباعمراني أحد الموقعين الأسفيين على وثيقة المطالبة بالاستقلال. ومن ثمة، بات هدف السي محمد امجيد واضحا ومحددا، وهو العمل على تحقيق الاستقلال. وهكذا تم اعتقاله عدة مرات نظرا لمواقفه التي كانت تحرج المستعمر الفرنسي. وكان أول اعتقال وهو في سن 14 من عمره، إثر مظاهرة في قلب مدينة أسفي ضدا على غطرسة المستعمر وتنكيله بالوطنيين وإحكام مضايقاته المستمرة على الأهالي، والحصار الذي كان يقيمه ضد التجمعات.
فلا شك أنها محطات مضيئة من نضال ابن أسفي وأحد رجالاتها الشوامخ .. إذ يكفي لإبراز صدق وطنيته ومدى إخلاصه وعفته، أنه بعد حصول المغرب على استقلاله، انخرط في العمل الجمعوي ليصبح أنموذجا حيا للعمل الجمعوي بالمغرب فأفق الرجل النضالي، سيجعل منه ناشطا جمعويا لكل الوطن وليس لأسفي فقط. فهو كما قال رحمه الله “أنا ابن الوطن وأريد أن أخدم ساكنته من طنجة إلى الكويرة. فأنا ابن أسفي وابن كل المدن المغربية.. “لقد كانت حياته موزعة بين الرياضة والعمل الاجتماعي.. فهو رياضي ومقاوم ووطني، يتجلى ذلك فيما كان يحمل من هم هذا الوطن. وعلى هذا الأساس كانت علاقته بالملك الحسن الثاني طيب الله ثراه ممتازة، فقد قابله عدة مرات كان يطرح عليه مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالوضع داخل البلاد . فكان قدس الله روحه يصغي بإمعان كبير لآراء السي محمد امجيد ويثق بها، لأنه كان يقدم الحقائق كما هي دون تزييف أو تدليس . لذلك ، كلما سنحت الفرصة، يتم توشيحه.. وأول توشيح كان خلال المباراة النهائية لكأس العرش سنة 1972 بالملعب الشرفي بالدار البيضاء بوسام الرياضة من الدرجة الممتازة.. كما تم أيضا توشيحه من طرف صاحب الجلالة الملك سيدي محمد السادس عربونا على إخلاصه وصدق طويته وتفانيه في خدمة وطنه، إذ ظل يشتغل من أجل هذا الوطن وقد بلغ من العمر عتيا.
لقد كان السي محمد امجيد رجل العمل والجد، لا يهدأ له بال، يسعى بكل قواه لخدمة بلده طواعية وبكل إخلاص ، وتلك كانت قناعته. ففي تجربة انتخابية للالتحاق بالبرلمان. مثل الرجل مدينة أسفي..  وبعد نجاحه ، قضى ـ كما قال ـ عاما كاملا من الملاحظة والتتبع، وحين ابدى ملاحظاته في مداخلات حارقة في إطار اللجان، طولب بتليين مواقفه  لكنه رفض وقرر الانسحاب من البرلمان في صمت، حيث لم يكمل الفترة النيابية، مفضلا النضال في جبهات أخرى، هدفه خدمة هذا الوطن. فكان ـ رحمه الله ـ مثالا صادقا للمواطن الذي يسعى ليرى وطنه في مصاف الدول المتقدمة.. فكان مما قاله لمنتقديه : ” أنا أفتح فمي وأغلق بطني” إذ بعد مدة، سيغادر البرلمان ليحمل مشعل المؤازرة الاجتماعية لذوي الحاجة في الحواضر والبوادي. ولعل مجالات العمل الجمعوي عند السي محمد امجيد متعددة وتحتاج إلى نفس طويل لتفصيل القول فيها ، وفيما كان له من يد حميدة .. أقتصر من ذلك فقط على الإشارة إلى تلك الاجتماعات التي كنا نعقدها ـ نحن أبناء أسفي في الرباط والدار البيضاء ـ أيام دعانا المرحوم السي أحمد بنجلون إلى خلق جمعية كبرى تدافع عن مصالح أسفي وسكانها .. حيث لمست في السي محمد امجيد كل مقومات الرجل المحب لمدينته، العاشق لها، يحمل الكثير من المشاريع التي لو تحققت لكانت أسفي اليوم ذات شأن آخر.
في الحقيقة، الحديث طويل جدا عن السي محمد امجيد، وأريد أن أنهي هذه الكلمة بالترحم على هذا الرجل، ومن خلاله جميع الوطنيين المجاهدين الذين أدوا رسالتهم على أحسن وجه، وخدموا وطنهم وربوا الأجيال على الوطنية الحق. وإذا كنا ننعم اليوم بهذا الذي ننعم به من حرية واستقلال، فبفضل هؤلاء الرجال الذين ندعو لهم بالمغفرة والرضوان ونعيم الجنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 + ثمانية عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض