ثقافة

الحاج أحمد سهوم في يوم ذكرى وفاته

  إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

   في مثل هذا اليوم من السنة الماضية ، غادرنا إلى دار البقاء شاعر الملحون الحاج أحمد سهوم رحمه الله . ولا شك أن رحيله يعد رزءا جسيما ومصابا جللا وخسارة كبيرة لفن الملحون والمهتمين به ، بعد أن شغل الناس بشعره وبمختلف الإبداعات الشعرية التي أغنى بها خزانة الملحون . فقد راهن الراحل على ما في الملحون من إبداعية وتجديد .. ذلك أنه ارتبط بهذا الفن وكأنه قدره ، إذ منذ صغره ، تهيأت له ظروف تلقي الملحون .. فوالده محمد بن علي الفيلالي ، كان عازفا ماهرا على آلة الكمان ، يوقع عليها أغاني المرساوي ، والسيدة التي كفلته ، كانت ولوعة بالفن والأدب ، واختلافه إلى دكان الخرازة ، حبب إليه الملحون . كل هذه العوامل ، جعلت منه فيما بعد رجل الملحون بامتياز .. خاصة حين أعجب شيخ الملحون السي ادريس العلمي وهو الشاعر الفحل ، بصوته وإنشاده ، علاوة على نظمه للقصائد في مختلف الأغراض والموضوعات ، من خلالها نشعر أنه يملك لغة عامية قوية وعذبة وسلسة وراقية . إضافة إلى الأغراض الشعرية التي برز فيها ، نستحضر أيضا القيم الدينية والوطنية ومقومات الهوية العربية الإسلامية ، إلى جانب نظرته إلى الواقع الاجتماعي ومختلف ظواهر ومظاهر هذا الواقع . فهو إذن أحد الشعراء الذين بعثوا في الملحون روحا جديدة ، مما دفع بالمهتمين بالملحون والولوعين به إلى أن يلتفتوا إليه ويقبلون عليه ويطربون لإنشاده .
تابع المرحوم الحاج أحمد سهوم مسيرة الملحون منذ نحو نصف قرن ، وساهم في إبراز مقوماته عبر مختلف وسائل الإعلام . وهنا ، يمكن أن نستحضر مجموعة من البرامج الإذاعية التي أغنى بها ريبرتوار الإذاعة المغربية ك : ركن الأدب الشعبي عام 1965 وغيرها من البرامج الإذاعية الناجحة من قبيل : مع التراث ، إطلالة على التراث .. فهو إذن علامة مميزة في فن الملحون بالنظر إلى نتاجه الأدبي الغزير . وهو حين كان يمسك بصهوة قلمه لينظم قصيدة في موضوع من الموضوعات ، فإنه يعطي الكلمة رشاقة وإبداعا ، تتأتى قدرة فائقة على النظم والإبداع والابتكار ، مما يؤكد على أنه كان ذا ثقافة متنوعة وشاملة .. يجيد الحديث في الأدب والشعر والتاريخ والأديان والتفسير والحديث والفقه .. بوابة واسعة للمعرفة والفنون ، نبع لا ينضب ، يصول ويجول في كتاباته وأبحاثه حول الملحون نظما وإنشادا وشرحا وتحليلا ونقدا . هذا هو الحاج أحمد سهوم . فهو ـ رحمه الله ـ من الأدباء المنتجين المبدعين ، ساهم في رفع مستوى الشعر الملحون بما يليق ومكانته الإنسانية ، شرفوا سمعة هذا الفن وتشرفوا به . لهذا ، كان الحاج سهوم من شعراء الملحون المؤثرين ، حيث كرس حياته ومواهبه وطاقات نشاطه لخدمة الملحون .. أديب يسبي العقول أثناء حديثه عن هذا الفن الرفيع . يمتاز بعمق فهمه له ، حسن الشرح لفظا وحديثا وكتابة ، كما يمتاز كذلك بالذكاء ورجاحة العقل ، يستوقفك أثناء حديثه من خلال قدرته على إبلاغ الفكرة للتأمل والتمعن فيما يقدم من حديث يجعل المتلقي يتمتع بتذوق المعاني وحلاوتها . فليس من السهل الحديث عن رجل كالحاج أحمد سهوم رحمه الله . وحسبنا أن نقول بأنه كان يمتلك حاسة قوية في الأدب عموما والملحون بوجه خاص ، كما كان نابغة في الشعر الملحون ، أقام البرهان على عبقريته وشمول ثقافته ومعرفته الواسعة .. وهذا ما حدا بأكاديمية المملكة المغربية إلى إصدار ديوانه الشعري الضخم الذي يضم 171 قصيدة تتوزع بين “الإلهيات والمناجاة والنبويات ومدح آل البيت والأولياء والإدريسيات والتأملات والوطنيات والعشاقيات والتكريمات والمرثيات وسلسلة نساء صحابيات وسلسلة الأنصار والمهاجرين ، إلى موضوعات أخرى ” وقد خصه أستاذنا الجليل الدكتور عباس الجراري  حفظه الله بمقدمة أبرز من خلالها الخصوصيات التي كان يتمتع بها الحاج سهوم في مجال الملحون .  فالشعر عنده يقول أستاذنا : “حديث النفس وكلام القلب والوجدان “، ينطلق من رؤية واضحة للشعر الملحون ، بغية إبراز قيمته الفنية البادية من خلال لغة عامية منتقاة . ولعل مفهومه لهذا الشعر ، يكاد ينبعث من رؤيته لهذا الفن الأثيل باعتباره رسالة على الشاعر أن يتشبع بها في أحاسيسه ومشاعره . لذلك ، ستبقى قصائده وأبحاثه في مجال الملحون منهلا ومادة لدراسات متخصصة لطلاب البحث العلمي الجامعي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض