
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 100
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
الأستاذ محمد الخزامي
من مواليد مدينة أسفي عام 1938، التحق كغيره من أبناء هذه المدينة بالكتاب وهو في الرابعة من عمره، بهدف حفظ القرآن الكريم، بعد ذلك، تابع دراسته الابتدائية بمدرسة تراب الصيني التي كانت مخصصة للفرنسيين. وحين أفرغوها، التحق بها أبناء المغاربة. لكن، سرعان ما تركها ليلحقه والده بالتعليم العربي الحر بمدرسة الهداية الإسلامية في بداية تأسيسها من طرف الوطني الكبير، الفقيه محمد الهسكوري رحمه الله، إلى أن حصل على شهادة الدروس الابتدائية عام 1951 .. ولعل سبب انتقاله إلى هذه المؤسسة، يرجع بالأساس إلى ما كان لوالده من حس وطني ، دفعه إلى تغيير رأيه. ونظرا لعدم توفر مدرسة الهداية على أقسام للتعليم الثانوي، سيعود السي لخزامي مرة أخرى إلى التعليم الرسمي بمدرسة تراب الصيني، فدرس هناك على يد السادة الأساتذة، السي عبد الرحيم البوعناني والسي محمد مقدم والسي عبد الرحمان البواب ومسيو مولاي ..
بعد ذلك مباشرة، اشتغل السي الخزامي كمحاسب بمؤسستين تجاريتين قبل أن يعتمد عليه الفقيه محمد الهسكوري كمساعد له في تدبير وتسيير المهام الإدارية لمؤسسته التربوية “الهداية الإسلامية”. واختيار سيدي محمد الخزامي لهذه المهمة، يعود إلى ما يتمتع به من خصال حميدة وأخلاق طيبة وسلوك قويم وشخصية متزنة، لا تراه إلا مبتسما، وسيم المظهر العام، يميل إلى الشياكة، كل هذا، كان له بالغ الأثر على نفسيته وطبيعته، مما أهله ليكون الساعد الأيمن للفقيه الهسكوري ، حيث ساعده على تجاوز الصعوبات التي واجهت المدرسة في بداية تأسيسها. وفعلا، نجح السي الخزامي في القيام بدوره التربوي والإداري، كما نجح في خلق جسور التواصل بينه وبين الأساتذة والتلاميذ.
في سنة 1971، حصل السي الخزامي على شهادة الكفاءة المهنية الإدارية بعد اجتياز امتحان كتابي بمدينة الرباط، ورغم ذلك، بقي وفيا مخلصا في عمله بمدرسة الهداية الإسلامية، فاستمر في تدبير شؤون المؤسسة بعد وصولها إلى تغطية كافة أقسام المرحلة الثانوية، إلى أن أحيل الفقيه الهسكوري على التقاعد سنة 1972. بعد هذه المرحلة الدقيقة من مساره المهني، تقدم السي الخزامي بطلب لوزارة التربية، قسم الاقتصاد، حيث أسندت إليه مهمة “مقتصد” بثانوية ابن خلدون وإعداديتي مولاي يوسف وسيدي عبد الكريم لمدة ثلاث سنوات، من سنة 1973 إلى 1976، قبل أن تسند إليه المصلحة الاقتصادية للمركز التربوي الجهوي لمدينة أسفي، وهي المهمة التي ظل يشغلها لمدة عشرين سنة، من سنة 1976 إلى 1996 ، قادها بروح عصامية، متسلحا بمبادئ الفقيه محمد الهسكوري التي كانت تقوم على الإيثار والجدية في العمل والحزم والنزاهة ونكران الذات، وهي الصفات التي جبل عليها مترجمنا سيدي محمد الخزامي أطال الله في عمره.
فهو كبير بخلقه وأدبه، هذا الذي يجب أن يتعلمه هذا الجيل الصاعد من الشباب، فعن طريق أمثال السي الخزامي، يمكنهم أن يتعلموا الكثير والكثير من الصفات النبيلة كالشجاعة والفضيلة والنبل والشرف والكرم والحلم والصدق في القول والعمل والمواقف.
إلى جانب ما سبق، نذكر أن للسي الخزامي أنشطة موازية كان يمارسها في حياته كالسباحة والرحلات ،إضافة إلى انخراطه في الكشفية الحسنية مع بداية استقلال المغرب دون أن ننسى مشاركاته المتعددة في غير قليل من الأنشطة الثقافية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مشاركته في نشاط أقيم بدار الشباب علال بن عبد الله بأسفي حول الذكرى الأربعينية لوفاة شاعر الحمراء ابن ابراهيم، حضرها عدد من الأدباء والشعراء.
وإذ أنسى، لا أنسى العون والإفادات القيمة التي كان يزود بها الطلبة الذين كنت أشرف على بحوثهم لنيل الإجازة بالكلية متعددة التخصصات بأسفي ..
والحقيقة أن السي الخزامي مرجع مهم وأساسي في توثيق الكثير من الأحداث التي عرفتها مدينة أسفي، فهو ذاكرة حية، تنبض بالحياة والحيوية ، يتحدث بتأن ورزانة في تواضع جم .. تشعر وهو يحدثك أنك في حاجة كبيرة إليه، إلى نصح .. وحكم .. وعبر، تشعر كذلك أنك تبحث عن مساعدة معنوية تجدها عنده أثناء تبادل أطراف الحديث معه.
هذا إذن هو سيدي محمد الخزامي، الذي يبعث القلوب التي وجلت من اليأس، ويلين الأعصاب التي قست من منغصات الحياة، ويفتح الأقفال التي فقدت مفاتيحها، فتزدهر الأماني وتتفتح الورود.