ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 102

إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

السيد محمد كراوي
استطاع السي محمد كراوي أن يجتاز المرحلة الأولى من الباكالوريا بنجـاح، مفضــلا ـ على غير عادة أغلبية التلاميذ الذين كانوا يلتحقون بثانوية مولاي يوسف بالرباط ـ أن يمكث بثانوية محمد الخامس بمراكش ك: (Maitre d’internat et élève de math-élem) بثانوية (Mangin) بعد اجتيازه للمرحلة الثانية من الباكالوريا، سيتابع دراسته الجامعية بكلية العلوم بالرباط / جامعة محمد الخامس عام 1959، حيث سيحصل فيما بعد على الإجازة في الرياضيات عام 1964. بعد ذلك، سيخبر في وقت لاحق بحصوله على منحة اليونسكو للدراسات العليا لمتابعة دراسته بكلية العلوم (بوردو/ فرنسا) حيث سيقضي ما يقرب من سنتين ونصف ليعود إلى المغرب في يناير 1967. وقد أسندت إليه مهام التدريس سواء بالمدرسة العليا للأساتذة أو بكلية العلوم بالرباط، في انتظار تقديم أطروحته الجامعية ببوردو عام 1970 تحت إشراف الأستاذ Bernard de Mathan ليصبح أستاذا محاضرا بكلية العلوم بالرباط.. كما درس بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي وكذا بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، وموازاة مع ذلك، انخرط في النقابة الوطنية للتعليم العالي .. في تلك الأثناء، عرفت الجامعة إضرابات تعطلت معها الدراسة.
لكن الأقدار تشي بأمور أخرى، حيث نودي على السي محمد كراوي من طرف وزير الداخلية آنذاك السي محمد بنهيمة ليتولى مهمة عامل صاحب الجلالة على إقليم خريبكة عام 1972 وبعدها بسنتين أي في شتنبر 1974، تم تعيينه عاملا على مدينة سطات، وكان الحدث الأبرز الذي عاشه السي محمد، تنظيم المسيرة الخضراء عام 1975 .. فقد خصص لمدينة سطات مشاركة عشرة آلاف متطوعا. كما سيعين أيضا عاملا على إقليم الجديدة في دجنبر 1981 بعد قضاء سبع سنوات بسطات. وفي أكتوبر 1985 سيتم تعيينه عاملا لصاحب الجلالة الحسن الثاني على إقليم القنيطرة .. ليتولى بعد ذلك مهمة والي صاحب الجلالة على مراكش في يناير 1994، وبعد أربع سنوات من تحمل هذه المسؤولية بمراكش، سيبقى السي كراوي رهن إشارة وزارة الداخلية حيث جرى الحديث عن انضمامه للمفتشية العامة. لكن بوفاة المرحوم الحسن الثاني، انتهت إعارة السي كراوي لوزارة الداخلية ليعود إلى منصبه الأصلي بكلية العلوم بالرباط الذي تركه منذ ست وعشرين سنة كانت كلها عمل جاد ومضن، تعرف من خلالها على الكثير من الأمور وهو ينتقل من إقليم إلى آخر، همه التعرف إلى إمكانيات ومؤهلات كل إقليم على حدة، هدفه النهوض بمختلف المجالات التي يتميز بها كل إقليم. وهي مهمة صعبة للغاية، تتطلب الكثير من الصبر والتبصر والحكمة والمثابرة والتجربة والخبرة والاطلاع .. فكان مجدا مكبا على كل صغيرة وكبيرة مما يندرج في إطار خدمة مصالح المواطنين والوطن، دؤوبا مثابرا على العمل، وهي يد تذكر فتشكر له، وجهد يجب أن يعرفه الكثير من شبابنا ليقتدوا به. والتعرف والاقتداء بشخصية السي محمد كراوي لها قيمتها الكبرى في عصرنا هذا الذي يرزخ تحت أعباء الماديات والتناقضات .. فالإنسان لا ينال قيمته ووزنه إلا من خلال ما لديه من أخلاق فاضلة وثروة فكرية. لذلك، نجد أن السي كراوي قد تمكن فعلا بشخصيته القوية وذكائه وثقافته العالية الشاملة من أن يصبح إنسانا لامعا ومشرقا ومشرفا، لأن رجلا كالسي محمد كراوي لم يكن مجرد عامل لصاحب الجلالة فقط، بل كان بشخصيته العبقرية قادرا على خدمة الوطن والملك من خلال معالجته الكثير من القضايا معالجة متأنية، وذلك نتيجة متابعة متعمقة ودقيقة الجذور، وأبعاد تلك القضايا وخفاياها وخلفياتها .. هكذا كانت سيرة حياته العملية مليئة بالكفاح والعمل والترقي، محافظا على قيمه ومبادئه وكلها صفات كان يتمتع بها السي محمد كراوي. إنه رجل من رجالات أسفي الذين يشرفون سمعة هذه المدينة .. فليس بدعا وقد تجلى ما للسي كراوي من كفاية وغناء، وما هو متحل به من نفاذ ومضاء، أن يعود للتدريس في الجامعة المغربية وقد تسنى له أن يبرز في دروسه ومحاضراته، فكان له فيها الشفوف والظهور بما له من اقتدار وعرفان. فلم يقتصر تألقه كعامل لصاحب الجلالة على غير قليل من الأقاليم، بل زاد هذا التألق وهو يعود إلى الجامعة للتدريس، وهو لعمري منصب لا يسند إلا لذي علم غزير، وحلم وفير، ولمن حسن سمته وبانت أناته، وتحلى بالتقدير والوقار، وتجنب العثار .. فطوبى للسي كراوي إذ نال بذلك مكانة علية ومرتبة سنية. ذلك أن ” أفضل الناس عند الله من عز بموقفه الحق، وشاع بقوله الصدق، ورتق برأيه الفتق.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض