
تجليات السيرة النبوية في الشعر الملحون – الحلقة الرابعة
د. منير البصكري الفيلالي / أسفي
ولعل أهمية سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تتجلى في كونها رسما لطريقه التي سلكها، وعلينا باتباعها، لأن ذلك أصل من أصول الدين. كذلك، هي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع شؤون الحياة، أي هي تطبيق عملي لأحكام الإسلام وشريعته. وهي أيضا معرفة شاملة كاملة لعظمة الإسلام وقوته، ودراستها تجعل الإنسان يدرك أن هذا الدين قد أرسى قواعده وأحكامه وقدم نموذجا حضاريا ظل عطاؤه مستمرا حتى يومنا هذا. ومن ثمة، تظهر لنا الأهداف والغايات الأسمى لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. من ذلك مثلا، معرفته معرفة شاملة، كمعرفة نسبه ومولده ونشأته وأسلوب دعوته عليه أزكى الصلاة والتسليم، تلك المعرفة التي تورث القرب منه، ومحبته التي ينبغي أن تملأ القلوب بعد محبة الخالق سبحانه وتعالى. كذلك، معرفة هديه صلى الله عليه وسلم، هديه في المنام والطعام والشراب والنكاح، هديه في الحل والترحال، وفي السلم والحرب، وفي التعامل مع ربه ومع نفسه ومع الناس أجمعين .. إضافة إلى معرفته في التربية والتعليم والدعوة والإرشاد، كما يضاف كذلك، أخذ الدروس والعبر التي تضيء للسالك الطريق المستقيم .. وفضلا عما سبق، فإن سيرته صلى الله عليه وسلم تبين معرفة الصحيح الثابت عن نبينا الكريم، لكي تبقى هذه السيرة صفحات بيضاء بعيدة عن الغلو والتزييف ، ونبراسا نستهدي به في حياتنا.
من أهداف التعرف إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نذكر كذلك بيان ما كان عليه من صفات وشمائل. فهو قدوة في كل شيء بدليل قوله تعالى: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ..”
فسيرته صلى الله عليه وسلم مهمة وضرورية لكل مسلم، وفي اتباعها تنمية لحبه صلى الله عليه وسلم، وحبه من أسس الإيمان.
من هذا الفيض والإشراق النبوي، عبر شاعر الملحون عن حبه الصادق للرسول، وهو حب تعلوه مسحة من روحية المعنى وسمو العاطفة. فقد أدرك جيدا أهمية وقيمة السيرة النبوية، فلم تخل قصائده من ذكر الحبيب المصطفى، فتحدث عن نسبه وولادته وزواجه ونزول الوحي عليه والقيام بالدعوة إلى الله، كما تحدث عن الإسراء والمعراج وهجرته إلى المدينة وغزواته وفتح مكة وحجة الوداع ونجاحها وأثرها في توحيد الشعوب والقبائل .. معبرا في الآن نفسه عن حبه الكبير لسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله.
يقول الشيخ الغالي الدمناتي:
حق اعلينا انسلم على محمد وقت اخلوقو انقول من داخل لتمادي
اعليك اسلام ربنا يا محمــد قد اوحوش لقفـار والطير الفدفــادي
اعليك اسلام ربنا يا محمــد قد لحصا والتراب واقراهب لوهادي ..
ويقول الشيخ محمد بن علي المسفيوي الدمناتي في قصيدته “نشأة النور المحمدي”:
رايد ندكر خلوق مروي على الاسياد اخلوق الهاشمي المبرور الهــادي
لما راد الجـليل الوحيــد الجــــــــواد يخلق نور الرسول نعم المهتــادي
من نـــوره خـاد شعـاعـه وقــــــــــاد نور الماحي القوت مصباح اتمادي
نور الماحي الماجد أحمد المكــي شافــع لعبـــــاد
تم اخضع للجليل وسجـد خمسين ألف اسنا اعداد
وخلق منه الحـي الاوحـد العـرش وسايـر الافـراد
نور أحمد كــان ســاجــد لـما بلـــغ الـســعــــــادة
كـالنجـم اســـطيـع واقـــد نــال اكـمــال الــسيـــادة
وخــلــق منـه الـواحـــــد الاكـــوان بـخـرق عــادة
خـلق العـرش العظيـم القـديم الجبــار والكرسي والاقلام واللوح المشطور
وأدن الـمهيمـن الـقلـم يكتب بجهـــار اسمه واسم الحبيب مقرون ومدكور ..