
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 103
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
السيد عبد اللطيف كراوي
من مواليد مدينة أسفي يوم 10 يوليوز 1939 داخل أسوار المدينة العتيقة ، تلكم المدينة الجميلة التي كانت في يوم من الأيام بصوامعها ومساجدها وكنائسها وبيعها وزواياها ودورها ودكاكينها وأسواقها .. تحفها الأسوار ، وتحميها الأبواب والأبراج ، وتدثرها حديقة “جنان فسيان ” وروائع أشجارها وورودها وأزهارها . وأنت تتجول بين أزقتها ودروبها تشنف أسماعك موسيقى الآلة وطرب الملحون ، حيث الزوايا مفاتيح لطبوع الإيقاعات الثلاثة ، الحضاري والكباحي والميزان المصرف .. تنويعات نغمية تعزفها الدروب والممرات في تناغم أخاذ مع تغريد الطيور وهديل حمام صومعة المنار الكبير . إنها صرح حضاري وسجل للوجود الإنساني ومتحفٌ مفتوح، وسجلٌّ حيّ للذاكرة الإنسانيّة. فأين نحن اليوم من هذه الأمجاد العريقة التي عرفتها المدينة العتيقة بأسفي ؟ ألم يحن بعد موعد رد الاعتبار لهذا الفضاء التاريخي التراثي الجميل ، ليباهي بمجد المدينة التليد ويعلن عن هويتها الوجودية ؟
إن الأمة التي تريد أن تهيئ لنفسها مستقبلا سعيدا ، ليس في طوقها أن تحقق ذالك إلا إذا وصلت بين ماضيها وحاضرها، فانتفعت بما خلفه أسلافها من عقيدة راسخة وإيمان عميق ومبادئ سامية ومثل كريمة وقيم أخلاقية، تركت أثرها الواضح في حياة الناس وأحاسيسهم وتجاوبت مع آمالهم وأهدافهم . فلاشك أن التسلح بالقيم الروحية يولد طاقة دافعة للتقدم ورغبة صادقة في الإصلاح وعزيمة قوية لا تعرف الكلل ولا يحطمها اليأس ولا يعتريها الملل .
في هذه الأجواء ، عاش السي عبد اللطيف كراوي ، ومنها استمد ألقه وتوهجه ، فكان من خيرة ما أنجبت مدينة أسفي .
التحق بمدرسة مولاي يوسف ، تلك المؤسسة العريقة ذات الأهمية التاريخية لكون عملية التسجيل بها بدأت منذ مطلع السنة الدراسية 1931 أيام الحماية الفرنسية وكانت تحمل اسم Ecole primaire musulmane de garçon على عهد مديرها السيد Esteve . وقد عرفت هذه المدرسة تخرج عدد من أبناء المدينة الذي أصبحوا أطرا كان لها دورها الفعال في بناء هذا الوطن .
بعد حصوله على الشهادة الابتدائية واجتياز مباراة الدخول إلى القسم السادس ، توجه إلى مراكش لمتابعة الدراسة بثانوية محمد الخامس كتلميذ داخلي إلى جانب أخيه السي محمد والسي عبد الله فلكي ، ، وذلك لعدم وجود أقسام الثانوي بمدينة أسفي في تلك الفترة .. وبعهدها سيلتحق بالرباط ليتابع دراسته بثانوية مولاي يوسف .. وبعد اجتيازه للمرحلة الثانية من الباكالوريا سيتابع دراسته الجامعية بفرنسا في ENSET بتولوز ليحصل على شهادات عليا في مجال الهندسة الحاسوبية.
السي عبد اللطيف كراوي أب لثلاثة أبناء ، وأكرمه الباري تعالى بخمسة أحفاد ، وهي ذرية صالحة تعيش في بيئة صالحة ناضجة أثرت في تنشئتهم ما كان قد جبل عليه السي عبد اللطيف من نبل في الأخلاق وسمو في التفكير وتواضع في السلوك والتعامل . فهو رجل لين الجانب ، حنون عطوف كريم نزيه زاهد ، أبي عزيز النفس ، يتسم بروح التفاهم والإنصاف ، وكلها صفات أهلته ليصبح القدوة الحسنة في مسار حياته .
وبعد عودته إلى المغرب ، تقلد السي عبد اللطيف كراوي مجموعة من المهام وفي مناصب عالية ، وهذا لون من ألوان الكفاءة التي له نصيب كبير منها ، فكان جديرا بالوصول إلى تلك المناصب ، مما يدل دلالة قاطعة على أن القوس قد أعطيت لباريها وأن السي عبد اللطيف كراوي الراشد الراجح قد أعلى من مكانة المهمات التي تولى تدبيرها حيث طورها ووسع من آفاقها ، فكان له في ذلك الأثر المحمود . وكذلك ، هم رجالات آسفي ، عزة وطموح وتفرد بالكثير من المزايا والخصائص التي جبلوا عليها .