ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 116

إعداد : د. منير البصكري الفيلالي / أسفي

ومع ذلك ، استطاع الأستاذ ابراهيم كريدية أن ينهض بهذا العمل الشاق ، فكان له فيه مكان طليعي بفضل نتاجاته التي كان لها الأثر البليغ والصدى البعيد والتي بها ذاع صيته بين سكان أسفي . فالمتتبع لمختلف هذه النتاجات ، يدرك أن للرجل فكرة عن معنى التاريخ ، مما يدل على اهتمامه بمادة التاريخ تدريسا وتأليفا ، فشكل ذلك تراكما مهما في مجال الكتابة التاريخية فاق أكثر من أربعين مؤلفا أغنى بها الخزانة الأسفية ، وهذا ما أكده المرحوم الأستاذ سيدي عبد الرحيم الوزاني في حفل تكريم الأستاذ كريدية : ” لقد أصبحت كتب السي ابراهيم عن أسفي ، مراجع لا يستغني عنها الطالب والأستاذ والباحث ، نظرا لأهميتها وأهمية ما تضمه حواشيها من إحالات على مراجع نادرة ومهمة ، ومعلومات قيمة استقاها الكاتب من مراجع لا تتوفر بالخزائن والمكتبات العامة ..”وفي السياق نفسه ، يقول المـرحــوم الأستــاذ أحمــد الهسكوري : ” أصبحت كتبه مرجعا ومصدرا يستشهد به على مستوى الأبحاث التاريخية والأدبية الجامعية ، ولم ينسه حبه لمنطقته وذويه أن ينصف البحث التــاريخـي وينصف أسفي .. ” . ومن ثمة، ” يحق للأسفيين ـ يقول المرحوم سيدي التهامي الوزاني ـ أن يفتخروا به ويشرفوه ويحيطونه برعايتهم ويمدونه بتشجيعاتهم ودعمهم .. “.
أمر كهذا ، كاف لتحتل كتاباته التاريخية موقعها المتميز في المكتبة المغربية ، وذلك من منطلق ما أصبحت تمثله الكتابات التاريخية المغربية الجديدة الهادفة إلى إعادة الاعتبار للشخصية الوطنية وتفنيد ما قام به المؤرخون الاستعماريون من نظريات والكشف عن خلفياتها ونزعاتها الاستعمارية .
إن اهتمامات السيد كريدية بتاريخ المغرب والتاريخ المحلي لمدينة أسفي وثقافتها واختياره للموضوعات التي أدار البحث حولها ، كل ذلك جعله يدشن وييسر النقاش في غير قليل من القضايا والظواهر التي يثيرها من حين لآخر، غير مكتف بما كان يرد عليه من معلومات سواء عن طريق الوثائق والمستندات التي كان يحصل عليها، أو عن طريق الرواية الشفوية كآلية من آليات التاريخ المحلي ، ووعاء اختـزن عـلـى مـر العصور والأزمان، الأحداث التي عرفتها مدينة أسفي وما ارتبط بها من ذكريات وأشخاص عاشوها ومروا منها ارتبطت بالمكان.
وإذا كنا لا نستطيع تعداد كتابات السيد كريدية حول التاريخ المحلي لمدينة أسفي وأعلامها، فلا أقل من أن نشير إلى حرصه وعنايته بغية إبراز آثار ومعالم هذه المدينة المعروفة بحسن الإلطاف والإدناء، وجميل الترحيب والاحتفاء، فكان أن تعلق قلبه بها وهفت نفسه إليها، فياضة منهما مشاعر حب صادق وتفان خالص يغمره وينديه.
وعلى الرغم من هذه الوفرة في كتابات السي ابراهيم حول أسفي، فلا نجد من يلتفت إليها بالدراسة والتحليل، ذلك أنها في حاجة إلى دراسات معمقة يمكن أن يقوم بها أبناء هذا الجيل، خاصة وأن بأسفي اليوم كلية ، وينبغي أن تنجز دراسات جامعية مستوفية لمختلف شروط البحث العلمي حول شخصية الأستاذ كريدية والدور الذي قام به في مجال التاريخ المحلي، لما له من أهمية في تاريخ أي أمة أو مجتمع أو منطقة . لذلك ، فإن هذا العمل الذي نهض به الأستاذ كريدية، دليل وعي .. فهو الوعاء الحافظ للحركة والنشاط والعمل والبناء وضروب العطاء والصور المضيئة من جلائل الأعمال . من هنا، تكمن أهمية التاريخ المحلي في التعبير عن مستوى الوعي الحضاري .. ومن ثمة، نرى وجوب دراسته دراسة فاحصة متعمقة. ونرى اليوم أن الكثير من الدول أقامت المراكز والمؤسسات والمعاهد التي تهتم بهذا التاريخ لتلقي الضوء على ما فيه من صور مشرقة وأعمال فاعلة ومؤثرة في مختلف جوانب الحياة. ولهذا فإن في تاريخنا المحلي بأسفي الكثير من التفاصيل والجزئيات تنتظر جهود الباحثين ، فهو جدير بكل رعاية وعناية واهتمام. ولعل ما يقوم به السيد ابراهيم كريدية يستحق عليه كل الثناء والتقدير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض