
إنجازات أكاديمية المملكة المغربية إنطلاقة قوية نحو الريادة
إعداد : د . منير البصكري الفيلالي / أسفي
لا تخفى على أحد الجهود الجبارة التي تقوم بها أكاديمية المملكة المغربية من خلال خططها ومشاريعها والبرامج التي تتبناها لرعاية الشأن الفكري والثقافي ، إن على مستوى الوطن أو خارجه، بما يسهم في تحقيق تطلعاتها المستقبلية . ومن ثمة يظهر الدور الكبير الذي تضطلع به هذه المؤسسة من خلال ما تقدمه من أنشطة علمية وثقافية وفنية .
وأكاديمية المملكة المغربية ،وهي تقوم بهذا الدور ، فإن ذلك يأتي تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس القاضية بإعادة تنظيم هذه المؤسسة الرفيعة وفق تصور جديد يهدف إلى تعزيز وظيفتها كمؤسسة وطنية علمية ، ومرجعية تساهم بشكل متميز في الإشعاع الثقافي لبلادنا وتلعب أدوارا بارزة في التواصل والانفتاح الفكري والحضاري على مختلف الثقافات”. وهذا ما عبر عنه السيد أمين السر الدائم للأكاديمية حيث أبان عن رغبته في ضخ دماء جديدة في الأكاديمية ، وبث دينامية تتمركز على تحويل هذه الأكاديمية إلى مؤسسة منفتحة، عبر مراجعة قوانينها ومحاولة إعادة هيكلتها لتقوم بأداء مهامها، بالإضافة إلى النهوض بالأنشطة العلمية والفكرية والثقافية . وفعلا ، فقد تم تحديد وتوسيع مهام الأكاديمية لتشمل بالخصوص القيام بالدراسة والبحث وتشجيع تنمية البحث العلمي وتطويره، وتعبئة الطاقات الفكرية والعلمية الوطنية والأجنبية والدولية ، وتشجيعها على المشاركة في الأنشطة العلمية والثقافية المنظمة من طرف هذه الأكاديمية .. كما أنيطت بها أيضا مهمة تشجيع الإبداع الثقافي بمختلف أشكاله والمغربي منه على وجه الخصوص والتعريف به ، وتثمينه وتنظيم الملتقيات الأكاديمية من مختلف أنحاء العالم ، وإحداث كراس علمية لمناقشة القضايا الفكرية على حد ما سنرى لاحقا ، وكذا إحداث جوائز لتكريم الشخصيات المرموقة والأعمال الفكرية المتميزة والإبداعات الفنية الرصينة.
كل هذه الأعمال الرائدة ، تنطوي على كل المعاني النبيلة والتصورات الايجابية والدلالات العميقة .
فخلال أكتوبر 2021 احتضنت الأكاديمية محاضرتين علميتين في إطار تواصل نقاش الابتكار وقضايا العصر ، ألقاهما عالمان سويسريان بارزان حول موضوعين يكتسيان راهنية كبرى ، الأول بعنوان : العيش مع كورونا .. كيف للتكنولوجيا الرقمية مساعدتنا . والثاني تطرق إلى عوالم أخرى في الكون ، البحث عن كواكب مشابهة للأرض .. ولربما توجد بها الحياة . وقد نظمت هاتين المحاضرتين ضمن سلسلة من المحاضرات بشراكة مع أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات وسفارة سويسرا بالمغرب .
علاوة على ما سبق ، نظمت الأكاديمية أيضا محاضرة بعنوان ” علوم الأعصاب في خدمة الابتكار والمجتمع ” ألقتها الدكتورة شيرين فهيم فهمي ، وذلك بشراكة مع اكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات وسفارة سويسرا بالرباط . وقد أبرزت الباحثة دور علوم الدماغ في فهم الإنسان إلى جانب الأدوار الإيجابية لإسعاد الذات والآخرين من وجهة نظر خلايا الدماغ .
وفي إطار تأطير الطلبة الدكاترة من عدد من الجامعات المغربية مع جامعيين من مؤسسات عليا دولية لتفادي ” الفخاخ التاريخية ” تم تنظيم سلسلة من البرامج ” تبحث في التراث الإسلامي ، ليس الثيولوجي فقط بالمعنى التبريري ، بل تبحث في هذا التراث بمعناه الواسع ، أي مجموع الإبداعات والأشكال السياسية ومجموع الأسئلة التي طرحها المثقفون عبر العصور سواء كانوا مسلمين أم لا ، وأعطوا لهذه الحضارة الفريدة طابعا خاصا بها يجب التعرف إليه بأفضل شكل ممكن ، يقول الأكاديمي عبده الفيلالي الأنصاري .
وفي نطاق عنايتها واهتمامها بالأدب الإفريقي ، أحدثت أكاديمية المملكة المغربية كرسيا لهذا الأدب ، وهو مشروع طموح يربط الشمال بالجنوب ، سيغني عمل الأكاديمية كما سيساهم في تقريب المسافات من خلال الأدب والفنون والخيالات .. كما يهدف إلى تفكيك التراث الثقافي الإفريقي وتعزيزه وتعميمه في القارة السمراء . لذلك ، فهو يمثل مبادرة استثنائية وحقيقية . وحسب مذكرة مفاهيمية عن استحداث الكرسي المذكور بأكاديمية المملكة المغربية فإنه ” لكي يتم تقدير هذا التراث الأدبي الإفريقي والتعريف به بشكل أفضل في إفريقيا ، فإنه يحتاج إلى مؤسسات مرجعية ، مثل أكاديمية المملكة المغربية ، وعرض هذه الآداب وتطوير علم أصول التدريس مدعوما بإطار مرجعي بسيط ، دعم وعرض ومشاركة التخيلات الإفريقية كما يتم التعبير عنها في الأدب الشفهي وعندما تظهر في الكتابات . ” وتفعيلا لهذا المشروع ، نظمت الأكاديمية ندوة عرفت فيها بعبقرية الأديب المالي ” يامبو يولوكيم” مستحضرة الروح الأدبية لهذا الكاتب ، إذ من شأن ذلك رد الاعتبار إليه .
وحتى تتمكن أكاديمية المملكة المغربية من تفعيل هذا التقارب بين المغرب وإفريقيا، قام السيد أمين السر الدائم البروفسور لحجمري بزيارة لغينيا ، حيث منحـت له الجامعــة العامــة ” لانسانا كونتي ” بسونفونيا بغينيا ، الدكتوراه الفخرية على هامش النسخة الرابعة عشرة لمعرض الكتاب . وقد أكد السيد لحجمري في كلمة له خلال هذا الحفل على أهمية
تعزيز السلم الاجتماعي بهدف تيسير انتشار المعرفة بين مختلف البلدان ، معربا عن امتنانه لغينيا ، والجامعة العامة “لانسانا كونتي” بسونفونيا، لمنحه هذه الدرجة ، مقترحا فكرة إجراء لقاءات بين الجامعات الغينية ونظيرتها المغربية ، من أجل العمل انطلاقا من إفريقيا على محو الصورة النمطية التي يروج لها في العالم حول القارة .
إنجاز آخر ، يندرج في إطار اهتمامات أكاديمية المملكة ، ويتعلق الأمر بالبحر الأبيض المتوسط أفقا للتفكير بمشاركة أكاديميين من ضفتي المتوسط للنقاش حول تاريخ المتوسط بوصفه مهدا للحضارات الكبرى وبوصفه فضاء فلسفيا وفكريا . ولعل الهدف من تنظيم هذه الدورة يكمن في ” تعزيز قيم الحوار وجسور التلاقح والتعايش بين الثقافات والحضارات والأديان ..وعرض التجارب الدولية والخبرات النادرة حول القضايا والمشكلات المتوسطية التنموية والاقتصادية والبيئية والتاريخية ، إلى جانب إبراز التنوع الهوياتي والحضاري في الفضاء المتوسطي .. وقد سجل السيد أمين السر الدائم للأكاديمية الدكتور لحجمري أن المتوسط ” لم يكن دوما مرادفا للسلام .. بل هو البحر الأكثر انفتاحا لكونه يسر انتقال الحضارات والأفكار بين ضفافه شرقا وغربا وشمالا وجنوبا . ”
وتشجيعا للبحث العلمي والإبداع الفكري والثقافي في المؤسسات الجامعية لفائدة الطلبة والباحثين ، وبهدف تنظيم اللقاءات والندوات حول كرسي الآداب والفنون الإفريقية ، تم توقيع اتفاقية إطار بين الأكاديمية والوكالة الجامعية الفرنكفونية لدعم البحث العلمي .وهو جانب يهم الأكاديمية ، وهو ” الجانب الثقافي في القارة الإفريقية وربطه بجنوب صحرائها وشمالها في ظل رؤية ملكية تؤطر هذا التوجه للقارة ” على حد تعبير الدكتور عبد الجليل لحجمري أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية