
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 121
إعداد : د. منير البصكري الفيلالي / أسفي
نافذة على الصيد البحري في أسفي من خلال رجالاته
الحاج التهامي لبريسل :
عرف الحاج التهامي بن محمد بن الجيلالي المعروف ب”بريسل” بالفعل الرائق واللسان الحلو والوجه البشوش، يتجذر منه الرونق الباهر، والبهاء الآسر المحمل بعبق الحياة. صفات وتجليات ظلت محفورة في ذاكرتي منذ عرفته زمن الطفولة، صديقا حميما للسيد الوالد الحاج محمد البصكري الفيلالي رحمه الله .. إذ ما تزال هذه الذاكرة تحتفظ بصورة الرجل، فقد كان متوسط القامة “مربوعة”، فيه صباحة وجه، جميل المطلع، وسيم المظهر العام، يميل إلى الشياكة بسام مع الناس جميعا، مما أكسبه شهرة وحضورا متميزا حتى عرف عند الجميع ب “تفاحة أسفي” والتفاح ـ كما نعلم ـ أحد أنواع الفاكهة الشائعة له رائحة طيبة، وقد تم نعت السي التهامي بالتفاحة لكثرة أصدقائه ومحبيه ، فهو معروف سواء في أسفي أو خارجه .. فكان شخصية محبوبة لدى معظم الأوساط، كرس حياته للعمل الجاد .. عرف الناس فيه لين الجانب والكرم وعزة النفس، يعامل الجميع بالحب والتسامح، ويساعد المحتاج على قضاء حوائجه، سديد في المشورة حكيم في الرأي.
هو من مواليد مدينة أسفي يوم 17 أكتوبر عام 1917 بالمدينة العتيقة وبالضبط درب سيدي عبد الكريم من والده السيد محمد بن الجيلالي المنحدر من قبيلة الربيعة بمنطقة عبدة ووالدته السيدة زهرة بنت عبد الله بنهيمة حفيدة السيد عبد الخالق بن الطيب بنهيمة الذي كان يشغل مهمة عامل أسفي ما بين 1885 و 1892. وكباقي أقرانه في ذلك الزمن الجميل، ألحقه والده بكتاب الفقيه الدكالي بدرب سيدي عبد الكريم المذكور سابقا. وفي سنة 1925، التحق بالمدرسة الرسمية التي كان قد فتحها الفرنسي عند مدخل درب الجامع الصغير، حيث مكث بها مدة خمس سنوات تلقى فيها اللغة العربية على يد الفقيه السي المعطي، واللغة الفرنسية على يد أساتذة فرنسيين ك “باي ولوستو وبريير” وجزائريين ك “الستوتي وهنان”، ليغادرها سنة 1930 نظرا لكلفة مصاريف الدراسة مما اضطره إلى طلب صنعة .. وفعلا، اختار صنعة الفخار والتحق بمدرسة المعلم بوجمعة العملي. ولما استشف في نفسه القدرة على تزويق الأواني الفخارية دون طلاء، بدأ يقتني مجموعة منها إلى البيت ليتم تزويقها بصباغة الزيت ليبيعها وهو آنذاك لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره، ليتحدى بعصاميته صعوبات الحياة. وقد أعجب بهذه العصامية والإصرار على الإنجاز أحد الأشخاص ويسمى ولد الحمري، فاقترح عليه أن يفتح له متجرا لبيع المواد الغذائية وبعض لوازم الصيد البحري. لم يستمر طويلا في هذا المجال، حيث التحق بمؤسسة فرنسية للكهرباء بشارع الرباط لصاحبها Balzar. ونظرا لما كان يتمتع به السي التهامي بريسل من ذكاء وفطنة وملكة وموهبة، استطاع في وقت وجيز أن يلم بكل ما يتعلق بمجال الكهرباء وأسراره، ففتح دكانا بدرب المعصرة بحي المدينة العتيقة لإصلاح الكهرباء عام 1935، لينتقل بعد ذلك إلى دكان آخر بشارع الرباط لبيع لوازم الكهرباء ومختلف أجهزة الراديو والثلاجات والدراجات النارية .. وفي بداية خمسينيات القرن الماضي، ستتوسع دائرة هذا الورش إلى مؤسسة كهربائية تعمل على مد وإصلاح كهرباء مختلف المرافق من دكاكين ومنازل ومصانع، ولم يقتصر ذلك على مدينة أسفي، بل امتدت خدمات هذه المؤسسة إلى جهات أخرى كاليوسفية وخريبكة وميناء الجرف الأصفر.
لم يكن السي التهامي بريسل رحمه الله يقتصر في حياته فقط على مجال المال والأعمال، بل كان إلى جانب ذلك يملك حسا فنيا ورثه عن والده الذي كان له ولع كبير بطرب الآلة، حيث كان من أمهر عازفي الكمان في جوق السي عبد الرحمن بلهواري. فلا غرو أن يكون هذا الشبل من ذاك الأسد كما يقال. فقد كان في ضيافته ببيته بشارع الرباط الفنان الكبير الأستاذ عبد الوهاب الدكالي في سبعينيات القرن الماضي، كما زاره باستمرار الأستاذ الفنان الحاج عبد الهادي بلخياط وغير هؤلاء من الفنانين الكبار .. إضافة إلى ما كان له من ولع بطرب الآلة، إذ تتزين خزانته الموسيقية بأروع ما في هذا الفن الأصيل من نوبات وصنعات تشتمل على أنغام شجية وإيقاعات بهية.
هذا هو السي التهامي بريسل، الرجل العصامي والمثابر، يضع الأمور في إطارها الواقعي. ولعل الكتابة عنه، هي مناسبة لتعريف الأجيال بما قام به الآباء وما حققوه للبلاد من أعمال ومنجزات .. ومن خلال كل ذلك، يتيح التعرف إليهم إبراز النموذج الذي يراد اتخاذه قدوة للتمثل والاحتذاء .