ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 111

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

السيد محمد بنعزوز

يقول تعالى : ” من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ” وذلك لما لهم من دور كبير في حياتهم ، سواء تعلق الأمر بالدفاع عن دينهم أو وطنهم أو أمانتهم . فكانوا بمواقفهم الشجاعة يرعبون الاستعمار ويقضون مضاجعه ويبثون جوا من الذعر في نفوس المستوطنين والمعمرين الأجانب .. نذكر من هؤلاء أحد الوطنيين من مدينة أسفي الذي قاوم خلال سنوات شبابه الاستعمار الفرنسي للبلاد ، يتعلق الأمر بالسيد محمد بنعزوز ، وهو واحد ممن خدموا بلادهم من دون مقابل إبان فترة الحماية الفرنسية التي امتدت في المغرب من 1912 إلى سنة 1956 تاريخ استقلال المملكة عن الاستعمار الأجنبي ، فرنسا في معظم أرجاء المغرب ، وإسبانيا في شمال وجنوب البلاد . فكانوا شوكة في حلق المستعمر الفرنسي ، مما عرضهم للكثير من المضايقات التي بلغت في بعض الأحيان حد الاعتقال والتعنيف الجسدي والمعنوي .. كل ذلك لأجل الدفاع عن الوطن وكرامته وسمعته في سبيل تحقيق الاستقلال المنشود . فهم إذن نماذج للمواطنة الصالحة مثل السي محمد بنعزوز ابن مدينة أسفي ، حيث قدر له أن يعيش حياة تتأرجح بين عدة عوامل، نذكر منها:
ـ ولادته في فترة تاريخية حاسمة في تاريخ المغرب الذي كان يعاني من ويلات الاستعمار الفرنسي ، حيث فتح عينيه على مبادئ مؤسسي حركة الاستقلال في مدينة أسفي .
ـ تلقيه تعليما تقليديا انطلاقا من الكتاب والزاوية المصلوحية لحفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية على يد فقهاء أجلاء من أمثال الفقيه محمد الهسكوري ومولاي عبد السلام بن مولاي الحاج الإدريسي ومحمد السرغيني ومحمد بن عبد الخالق وسيدي التهامي بن علال الوزاني ومحمد بن بوزيد ومحمد بن عبد الجبار الوزاني .. إلى مدرسة مولاي يوسف التي كانت تشكل آنذاك رمزا للانفتاح على العالم الخارجي .. فحصل على تعليم حديث يعتمد اللغة الفرنسية وثقافتها .. وبهذه المؤسسة وجد أساتذة وطنيون كانوا يواجهون المشاريع الاستعمارية كالفقيه السي ادريس بناصر والفقيه محمد بنهيمة العلج ومولاي محمد قزوز المعروف ب ” مسيو مولاي ” ومحمد غياتي ومحيي الدين الشرقي وأحمد عاشور ومحمد فرحات ، طبعا إلى جانب ما كان يتلقاه من دورات في علم الحساب والتاريخ والجغرافية ، فضلا عن تلقيه الأناشيد الوطنية ، فكان طالبا مجدا ، فلقبه زملاؤه ب ” بابا الطالب ”
ـ تنوع مساره المهني في تواصل وانسجام مع نشاطه الوطني
ـ عضويته في حزب الاستقلال ..
ولد السي محمد بنعزوز في أسفي في أوائل عشرينيات القرن الماضي من والده المرحوم السي عبد الرحمن بن عزوز المولود عام 1877 الذي كان تاجر أقمشة ورئيس غرفة التجارة والزراعة بأسفي ، رجل ودود ومتفتح للغاية ، أرسل من قبل الحماية الفرنسية في مهمة إلى مدينة ” بوردو ” عام 1928 ، نظرا لما كان يتمتع به من حكمة ورزانة في معالجة غير قليل من القضايا .. فقد كان عضو اللجنة البلدية بأسفي لسنوات عديدة كما كان عضو الجمعية الإسلامية الخيرية بالمدينة نفسها .
ترك السي محمد بنعزوز المدرسة حوالي عام 1942 بعد حصوله على شهادة مدرسية وخلفية ثقافية ذات قيمة ووزن ، ليقرر الانخراط في العمل الوطني لأجل استقلال البلاد .
في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي ، اكتشف السي عبد السلام كراوي ـ الذي كان ملتزما بالقضية الوطنية منذ شبابه بمدرسة مولاي يوسف بالرباط مع ناشطين بارزين من أمثال ادريس محمدي وعبد الكريم بنجلون ـ الصورة المثالية للشباب التي كان يحتاجها الحزب لهيئة التربية الوطنية ، فطلب إلى السيد محمد بنعزوز الانضمام إلى الحزب . وفعلا ، كان السي بنعزوز يرعى مجال الاتصال والتواصل ، حيث حرص على الربط بين مكتب الحزب في أسفي والأعضاء ، يقدم لهم البيانات الصحفية الأسبوعية للحزب ، ويقوم بتوزيع المناشير وتنظيم الاجتماعات ، فكان مطلوبا في كثير من الأحيان من طرف الشرطة الفرنسية لاستجوابات قاسية ملؤها الترهيب والوعيد . ذلك أنه كان مسؤولا عن إيداع نسخة من بيان حزب الاستقلال لدى المراقب المدني .

يتبع …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض