ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 127

إعداد : د. منير البصكري الفيلالي / أسفي

الحاج أحمد ابن حنة :
أكتب عن رجل استثنائي، ذلك أن الحديث عنه صعب بالنسبة لي .. فحياته حافلة بالكثير من الأعمال ذات البعد الإنساني خاصة في المجال الرياضي، على الرغم من عدم تلقيه أي تكوين يخول له أن يحتل تلك المكانة التي حظي بها طول حياته. وبحكم البيئة التي تربى فيها، تشكلت شخصيته المتميزة بقوة العزيمة واستقامة السلوك وصفاء النفس والميل إلى العمل في صمت.
ولد الحاج احمد عام 1915 بدرب القوس جوار ضريح ” لالة أم علي” بالمدينة العتيقة وهو الدرب الذي سكنته عدة عائلات كان لها الصدى الأكبر كآل بنهيمة وآل الخزامي وآل البيضة وآل بابا الزين وغيرهم .. كان والده المعلم عبد القادر ابن حنة الرجل الخير الفاضل، يشتغل كأمين لرحبة الزرع بأسفي، ثم انخرط فيما بعد في مجال تسويق القمح بعد أن اقتنى مكانا كبيرا كان يجمع فيه القمح، ما يسمى ب ” لهري “.
درج في الكتاب القرآني وحلقات ودروس المسجد الأعظم بالمدينة العتيقة، لا سيما ما كان يلقيه علماء وفقهاء المدينة في ذلك الوقت. وبسبب اليتم الذي عاناه منذ صغره بوفاة والدته، فكان لذلك تأثير كبير على تكوين شخصيته، إذ سرعان ما ترك الكتاب للاشتغال مع والده.
يكفي أن أقول أنني نشأت في أحضانه وأمام عينيه، فهو خالي وصديق حميم لوالدي الحاج محمد الفيلالي رحمه الله، حيث كانت تجمعهما صداقة متينة، أساسها التقدير والاحترام المتبادل. والحقيقة أنني لو أردت أن أتحدث عن ذكرياتي مع هذا الرجل وأنا طفل صغير، لطلب مني ذلك الوقت الكثير .. وحسبي أن أقول بأنني كنت أستمتع كثيرا بالجلوس إليه والاستفادة من توجيهاته القيمة. لذلك، فإني حين أذكره، أستحضر ذكريات لي معه لا تنسى، سأظل أستحضرها وأستحضر معها الرجل الطيب المربي .. فقد تربت على يده أفواج من شباب المدينة، من خلال ما كان له من حس تربوي، يتقد ذكاء وحماسا، يوجه ويرشد، فكان له دور متميز في مختلف المجالات المرتبطة بحياته .. فهو شخصية متفردة بملامح متعددة، في طليعتها الجانب الإنساني. فقد اتسم ـ رحمه الله ـ بالوداعة والتواضع ورقة المشاعر، وحلاوة الحديث وطلب الخير للناس جميعا، وغير ذلك من الخصال الحميدة التي بدأنا نفتقدها اليوم.
ولعل المجال الذي شغله وعني به الحاج أحمد ابن حنة هو الرياضة، وخاصة كرة القدم  والذي تسنى له أن يبرز فيه ليس فقط كممارس داخل أحياء المدينة، ولكن بما كان له من أدوار تتمثل في وضع اليد على المواهب الكروية، سواء بأسفي أو حين إقامته بالدار البيضاء. فهو الذي اكتشف اللاعب امجيد الظلمي منذ طفولته في ملعب “الشيلي” بلارميطاج، وهذا الملعب كان عبارة عن مشتل لإنتاج لاعبين موهوبين، فكان الحاج أحمد يتتبعهم، يشجعهم ويحفزهم لإتقان اللعبة .. كما كان وراء اكتشاف آخرين كجواد الأندلسي وبوعودة الذي لعب في سويسرا، وقبل ذلك، كان هذا اللاعب قاب قوسين أو أدنى من اللعب مع فريق اتحاد أسفي، اختاره الحاج أحمد ليكون أحد لاعبي الفريق المسفيوي. وهناك لاعبون آخرون اكتشف موهبتهم الكروية المتفردة وأعجب بها، وهو اكتشاف كان يزينه ما كان يتمتع به هذا الرجل من حس رياضي رقيق، وملكة راقية في اختيار المواهب الكروية. ولا بدع أن تكون للحاج أحمد ابن حنة هذه الملكة المتميزة، وهو من أسرة أنجبت لاعبين موهوبين، كأخيه الحاج عبد السلام ابن حنة، اللاعب الدولي والمدافع الأوسط الصلب وعميد المنتخب الوطني في ستينيات القرن الماضي، ثم لا ننسى أخاه الآخر الحاج عبد الرحمان ابن حنة الذي لعب لفريق اتحاد آسفي وفرق وطنية أخرى خارج مدينة أسفي .. فلهذين اللاعبين حضور ظاهر في مختلف المقابلات الرياضية.
إضافة إلى ما سبق، كان الحاج أحمد ـ حسب إفادة للسيد عبد الله فلكي ـ أنه كان لاعبا ماهرا في لعبة الورق “الكارطة”، متمكنا من تقنياتها المعروفة عند خبراء هذه اللعبة التي تحتل مكانة في الثقافة الشعبية المغربية، إذ كانت تجد فيها الأسر والأصدقاء ملاذا ترفيهيا في تجمعاتهم ولقاءاتهم. ويحتمل أن يكون دخول ” الكارطة ” إلى المغرب، كان في أواخر القرن التاسع عشر .
هذا إلى جانب ما كان عليه الحاج أحمد ابن حنة من تدين وعفة ووفاء خالص، وود صادق، إضافة إلى غيرته الوطنية وتبصره ومعرفته الواسعة وتجربته العميقة في مجال التحكيم الرياضي وقوانين كرة القدم .. وهي كلها محامد جعلته يحظر بحسن الأحدوثة بين الجميع، وذلك ما جعل الناس يقدرونه نظرا لما كان عليه من سجايا ومزايا متعددة، حيث اجتمع فيه ما تفرق في غيره بمظاهر شتى وصيغ متعددة.
توفي رحمه الله بأسفي عن سن تقارب التسعين، ليدفن بمقبرة سيدي الوافي خارج باب الشعبة، تاركا وراءه صدى طيبا لدى كل من كانت له به صلة .. فقد كان ـ رحمه الله ـ يتحلى بالفضائل والاستقامة على الإيمان والعمل الصالح والاعتدال في أمور الحياة، إضافة إلى علاقته بالناس وتعامله معهم وكسبه لحبهم واحترامهم وثقتهم من خلال تصرفه وتحليه بمكارم الأخلاق والسماحة والكرم وطيب العشرة وطلاقة الوجه وحسن القول، إذ ما أحوجنا اليوم إلى الارتقاء بذواتنا والتجمل بالصفات الحميدة كحسن الظن ولطف الخطاب وسعة الصدر والتواضع وإنكار الذات، وهو ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا .. وعلى جيل اليوم أن يقتدي بمثل هؤلاء ويسيرعلى نهجهم دون التفريط طبعا فيما يعرفه هذا العصر من إيجابيات على كل المستويات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان + 16 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض