ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 129

إعداد : د. منير البصكري الفيلالي / أسفي

السي الطيب بنكرا
    بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للملاحة الذي يصادف  يوم  29 شتنبر من كل سنة، نتحدث اليوم عن شخصية استثنائية في مجال الملاحة البحرية بمدينة أسفي .. التي بها نشأ وتربى وعشق ركوب أمواج بحرها منذ نعومة أظافره، مما هيأه منذ فترة مبكرة للاشتغال بمرسى أسفي. يتعلق الأمر بالسي الطيب بن ابراهيم بنكرا المزداد بأسفي عام 1946 .. فهو واحد من أهل أسفي الذين عشقوا وأحبوا البحر واختاروا الاشتغال بمجال الملاحة البحرية، حيث أتاحت له هذه المهنة زيارة الكثير من البلدان كدول إفريقيا وأوربا وجنوب أمريكا .. فعن طريق الملاحة البحرية، تعزز العمق البحري لمدينة أسفي لاقترانها بالبحر عبر العصور والأزمان ، وهذا ما حدا بأهلها ليكون لهم ولع كبير وشغف متزايد بالبحر، فكان منهم الربابنة المتميزون والملاحون المغامرون والبحارة الماهرون . فميناء أسفي ـ على حد ما نعلم ـ قد عرف أدوارا مهمة في مجال الملاحة البحرية، إذ كان له قصب السبق في ربط الاتصال بالعالم الخارجي .. وبفضل هذه الملاحة، تم ربط العديد من الصلات والعلاقات مع شعوب العالم، ونذكر هنا ما كان للسي الطيب من لقاءات جمعته مع غير قليل من الشخصيات الرياضية والفنية، كلقائه مع الفنان الشهير “بوب مارلي” في إحدى رحلاته البحرية. فعلاوة على هذه العلاقات الإنسانية التي يتيحها مجال الملاحة، فهي كذلك قد أضفت على مدينة أسفي أهمية تجارية لا نظير لها، تتمثل في تبادل السلع والمنتجات الفلاحية وغيرها .. لتصبح هذه المدينة مركزا تجاريا يتسع لتغطية كل حاجيات الدول. وهذا ما أكد عليه أستاذنا الجليل سيدي عبد العزيز بنعبد الله في كتابه: “تاريخ المغرب” حيث قال: “كان ميناء أسفي مهما للتبادل التجاري بين المغرب والإنجليز .. كما كان التجار الهولانديون يقومون بنشاط تجاري هام .. “وبذلك، لم يدخر أهل أسفي وسعا في التعامل مع البحر، من خلال اشتغالهم بالميناء، خاصة مجال الملاحة كغيرهم من العديد من البلدان التي تعتمد البحر في تجارتها.
ولعله من المفيد أن نشير إلى أن مجال الملاحة البحرية يحتاج إلى مهارات وخبرات الملاحين، وهو ما كان عليه السي الطيب بنكرا .. حدق ومهارة وخبرة وبنية بدنية ساعدته على التحمل، ذلك أن تعزيز القوة الجسدية له تأثير إيجابي ومفيد على تطوير الجسد والعقل والروح .. وهذا ما أكده الكثير من الفلاسفة ورجال الدولة والكتاب. وهذه الطاقة الجسدية التي كان يتمتع بها السي الطيب بنكرا، زادت من ثقته بنفسه وجعلته أكثر جاذبية.  فقد لقنته العديد من الصفات الحميدة، كما تعلم منها تحمل الألم والتفاني المطلوب للانتظام والانضباط والمرونة والتواضع، وهي صفات أكسبته غير قليل من السلوكات الطيبة، أولها تسميته بالطيب، وفعلا كان الرجل طيبا للغاية ، وبذلك هو اسم على مسمى كما يقال .. كان صاحب مبدأ، ذا أخلاق فاضلة عالية ،عفيف النفس واليد، رجلا ملتزما محافظا، عطوفا حنونا، يميل إلى الهدوء، كريما اشتهر بالكرم الكبير، موفقا لفعل الخير، لو تم حصر كرماء زمانه، لكان السي الطيب في مقدمتهم .. مبتسما دائما، صادقا مع ذاته، مستعدا للتضحية بكل شيء في سبيل أن يرى أبناءه وأهله وأصدقاءه بألف خير، متواضعا  فيه سمت ووقار، نال محبة الناس، إذ كان ولوعا برعايتهم والأخذ بيدهم ، فكان بحق بوابة من بوابات فعل الخيرات. وهذه الأخلاق بوأته مكانة طيبة بين كل من كانت له بهم صلة . وعن أمثال السي الطيب بنكرا يقول الشاعر:
        خفف عن الناس ما يلقون من ألم          فإن عجزت فأخرج طيب الكلم
        وانسج من الفأل أثوابا لتفرحهـــم          وكن كنور لهم في أحلك الظلم
        لا يسعد الناس في قول وفي عمل         إلا امرؤ طيب الأخلاق والشيـم 
بعد حياة حافلة بالعطاء، توفي السي الطيب بنكرا عن عمر لم يتجاوز ثمان وستين عاما إذ وافاه الأجل المحتوم سنة 2014 بعد أن أصيب بالشلل النصفي لم يمهله كثيرا . لكن صداه بقي يدوي بين الناس جميعا، نظرا لما كان يتمتع به من سلوكات حسنة وأخلاق عالية .. فمات وهو يحمل شهادة تقدير من طرف أهله ومحبيه، أكنوا له الكثير من الحب والاحترام تقديرا لشخصيته الإنسانية، حيث كان قدوة في كثير من الأخلاق والفضائل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة + 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض