
رياضة
رسالة الدين ورسالة الرياضة
الدكتور محمد التهامي الحراق
الحديث الأطغى اليوم عن كأس العالم المنظم حاليا في قطر. وهو للإشارة فخر للعرب؛ جودة تنظيم، فخامة بنيات، تحقق طموح، رسائل حضارية؛ عمل كبير في بلد صغير.
طبعا تشوب النجاحَ دوما تشغيباتٌ هامشية، هي هنا خارجية وداخلية؛ خارجية مثل بعض الرؤى التي لم تتحرر بعد من جرح المركزية الأوربية؛ واختزال العالم في الغرب؛ وعدم القدرة على تقبل النجاح خارج النطاق الغربي، وعدم القدرة على قبول الاختلاف، وتجاوز اختصار الكونية وتقزيمها في “القيم الغربية”.
مثلما تشوب النجاح تشغيبات داخلية، مصدرها جرح الهوية؛ نعم لإبراز الثقافة المحلية، وخلق جسور التفاعل والتلاقح والحوار بينها وبين ثقافات العالم؛ نعم لتثمير الحضور الثقافي للإسلام وأفقه الكوني الإنسي الرحموتي؛ لكن دون الوقوع في “تديين” كأس العالم، وتحويله إلى مناسبة ل”الدعوة”؛ تأكدوا معي أننا نؤسس لشرعنة “التشييع المذهبي” و”التبشير المسيحي” أو غيرهما من ألوان الدعوات للمذاهب والديانات والإيديولوجيات؛ بحيث قد تتحول دورات أخرى وبطولات أخرى إلى حلبات لصراع ديني وإيديولوجي شمولي لم تعد الإنسانية تطيقه، وهو ما يتناقض ورسالة الرياضة في بعدها التخليقي الإنساني؛ في حين أننا، وبدل من الدعوة والتبشير الدينيين، نحن في حاجة إلى تضافر الأديان والروحانيات لإنقاذ الإنسان من أخطار أعظم؛ مثل أخطار الفقر والظلم والهجرة والبيئة والحروب ونسف إنسانية الإنسان وأخلاقياته باسم العلم والتقدم والرفاه والثورات التكنولوجية والجينية….إلخ. نحتاج اليوم إلى تدبير آخر للمُطْلَق بحيث لا نُلْغيه ولا نَنْسِفه، على غرار ما وقعت فيه وضعانية الحداثة أو عدمية ما بعد الحداثة أو توحش الرأسمالية الاستهلاكية..؛ وذلك لاحتياجنا الأنطولوجي والمصيري والراهن لهذا المطلق، بشَرْطِ أن لا نقدّمه بالصورة الملغية والمقصية للآخَر العَقَدي؛ لأن قَدَر العالم اليوم أن يتصالح مع التنوع والتعدد والاختلاف.
فيما نرى أن أسمى صيغة للدعوة إلى الإسلام هو تخليق سلوكنا الفردي والجماعي بأخلاق الإسلام؛ وإثبات قدرة هذا الدين أن يجعلنا مبدعين بمنطق زماننا في العلم والتعليم والإعلام والعدالة والرياضة والحضارة….هنا والآن؛ دونما تفريط في إنسانية الإنسان وكرامته وروحانيته وأخلاقه الرحموتية.
فنعم للتثقيف الإنساني الكوني من منطلق إسلامي يستوعب التعدد ولا يُقصِي غيرَه، ويجعلُ نموذجَه الحضاري ونجاحَه أكبر دعوة ودعاية له، ولا لتديين بطولات رياضية بمقاربات دعوية حماسية، قد تكون حسنة النوايا، لكنها لا تستوعب تعدد العالم وتعقّده، وقد ترتدّ بالوبال على المسلمين في سياق ضعفهم الحضاري الشامل في السياق الراهن.
هذا رأيي كمسلم غيور على ديني وأمتي ونبيي، تعلم من دينه ونبيه أن ينظر لمصيره ومصير الإنسان في ضوء دينه وبعيون زمانه.