الإشراق الصوفي في الشعر الملحون – الحلقة الرابعة

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الطلعة البهية لشهر رمضان المبارك، يسعدني أن أتقاسم مع قراء MCG 24 موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بالإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، متمنيا لهم جميعا قراءة ماتعة ورمضانا مباركا، أدخله الله علينا باليمن والبركة والتيسير، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبلغنا جمال لحظاته ونحن في أحسن حال.

الحلقة الرابعة :
   نعلم أن الذي استقر عليه عامة المتصوفين المغاربة، هو تصوف الأخلاق على حد ما ذهب إليه الأستاذ علال الفاسي، مما كان له الأثر الفعال في المجتمع المغربي .. بيد أن أخلاقية وسنية التصوف المغربي، لا ينفيان “تسرب” بعض المفاهيم ذات الأصول الإشراقية، كما أبان عن ذلك العلامة ابن خلدون في المقدمة. غير أن هذا الجانب لم يتمكن من النمو في الحقل الصوفي المغربي  كما حدث في جهات أخرى من العالم الإسلامي، وكأن البيئة المغربية تأبى أن تؤطر كل من يلجأ إليها بإطار عملي أخلاقي سني، تماما كما حدث قديما للمولى إدريس الأول الذي دخل المغرب شيعيا زيديا، فتحول إلى رجل سلطة سني. ويلاحظ من جهة أخرى، أنه رغم تشدد القاضي بن العربي في متابعة البدع، ومع كونه تتبع بالنقد تيارات صوفية إشراقية، بل ورغم مؤاخذاته لشيخه الغزالي بكونه سار وراء الإشراق الصوفي المتطرف، فقد أبى إلا أن يشهد على براءة التصوف في منطقة المغرب العربي من كل ما علق بالفكر الصوفي الإسلامي ، مؤكدا على القيمة الأخلاقية للتجربة الصوفية المغربية.
وبناء على ذلك، ليس غريبا أن نجد شاعر الملحون يدعو إلى التصوف في شعره، ويعبر عن أبعاد هذه التجربة، ويتخذ من الشعر لغة وحيزا يستوعب أحواله الصوفية. ومن ثمة، وجدنا في شعره التزاما بالدعوة إلى الأخلاق انطلاقا من وعيه الديني، وأصالة الانتماء إليه.
يقول الشيخ الحبيب الهايج:
أراسي نوصيك قم طع واخدم ربي                    فارق عنك حالت لمزاح
واتهل في الدين كن متشمر حربي                     واتسحرم بالناس لمـلاح
إضافة إلى هذا ، دعا شاعر الملحون أيضا إلى ذم الدنيا .. فهي فانية وأن الدوام لله تعالى وحده . يقول الشيخ المغراوي  :
ما دايم الملك غير للدايم لمعين                    وما سواه افلورى كله فـانـي
خالق لشيات كلها رب الكونين                    نفنا واكداك بامرو نعم الغاني
الصحة ما تدوم والصغر تخوين                  اسمع مني الصح وافقه تبياني