ثقافة

الإشراق الصوفي في الشعر الملحون – الحلقة العاشرة

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الطلعة البهية لشهر رمضان المبارك، يسعدني أن أتقاسم مع قراء MCG24 موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بالإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، متمنيا لهم جميعا قراءة ماتعة ورمضانا مباركا، أدخله الله علينا باليمن والبركة والتيسير، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبلغنا جمال لحظاته ونحن في أحسن حال.

الحلقة العاشرة:

 ومن ضمن الموضوعات التي قلما يلتفت إليها الدارس، التصوف، ظنا منه أن الشعر الملحون لا يتناول إلا الأغراض الشعرية التقليدية، كوصف مجالس الأنس والمرح مثل: قصائد (النزاهة ـ الزهو ـ شعبانة ـ لغزال ـ المزيان…) أو شعر الخمرة والمدح والهجاء والرحلة، إلى غير ذلك .. بينما يجد المتصفح لقصائد الملحون ذخيرة هائلة ومتنوعة من الموضوعات الدينية، وخاصة منها الجانب الصوفي. ورغم تباينها في الأهمية والقيمة الأدبية والفنية، فإنها تحمل دلالات كثيرا ما تعكس الأحوال الدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها.
ولا شك أن الدور الذي قام به التصوف المغربي في مجال نشر العلم والمعرفة والدعوة إلى الله، والتمسك بأخلاق الإسلام وآدابه وبث روح المقاومة والجهاد ضد الاحتلال الأجنبي، وكيف اضطلع أهله بمهمة الدفاع عن البلاد حتى انحصرت فيهم في حقب من تاريخ المغرب .. لا شك أنه دور أساسي ومهم في انصراف كثير من شعراء الملحون إلى التأمل الصوفي، فأرادوا أن يتشبهوا بالصوفية في كثير من طرق حياتهم وآرائهم ومواقفهم  وهذا ما عبرت عنه بوضوح تلك الإشراقات الصوفية لدى شعراء الملحون، فكانت تمثل بحق هاجسا حرك وجدانهم، وقوى مشاعرهم. ومما ساعد على تقوية هذه الإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، ظهور عوامل كثيرة جعلتهم يلتجئون إلى الحياة الصوفية في أدق تفاصيلها، نذكر من ذلك:
اـ الانتماء إلى الزوايا والطرق الصوفية والتشبع بتعاليم شيوخها. فلا شك أنهم استمدوا منها ما يعينهم على انتسابهم إلى هذه الطريقة أو تلك .. لذلك، فأغلب شعراء الملحون كانوا مدينين لمثل هذا النظام الصوفي، مما يدل على أنهم كانوا على اتصال وثيق برجال التصوف من أهل العزلة والخلوة والعاكفين على الرياضة والمجاهدة، والمازجين للشريعة بالحقيقة، إن لم يكونوا انخرطوا في أسلاكهم وانضموا إلى جموعهم.
ب ـ الإيمان بالقضاء والقدر، وهو أمر يعبر عن طبيعة فيهم، وهي طبيعة نابعة من إيمانهم الكبير، ودليل على قوة هذا الإيمان بقضاء الله وقدره.
ج ـ تمسكهم بالمثل العليا والقيم الروحية، وهو عامل يمس جانب السلوك الأخلاقي الذي هو ثمرة الإيمان والاقتناع، امتثالا للأوامر الصادرة عمن له الخلق والأمر.
د ـ اتصالهم واطلاعهم على ما لرجال التصوف من ثقافة دينية وروحية ساعدتهم على إغناء رصيد هذا الإشراق الصوفي لديهم. وربما كان ذلك بتأثير من صحبتهم للصوفية وأرباب القلوب وسلوكهم طريق الفقر.

يتبع ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 − خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض