الإشراق الصوفي في الشعر الملحون – الحلقة الحادية عشرة

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الطلعة البهية لشهر رمضان المبارك، يسعدني أن أتقاسم مع قراء MCG24 موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بالإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، متمنيا لهم جميعا قراءة ماتعة ورمضانا مباركا، أدخله الله علينا باليمن والبركة والتيسير، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبلغنا جمال لحظاته ونحن في أحسن حال.

الحلقة الحادية عشرة:
 هل كانت هذه الإشراقات الصوفية في الشعر الملحون حركة قوية نشيطة، كما كان الشأن بالنسبة لمثيلتها في الشعر المدرسي؟
إنه مهما يكن من أمر، لم تكن هذه الإشراقات أقل نشاطا منها في التصوف نفسه، فهي أشبه ما يكون بجهاز حساس يرصد كل ما كان يتردد في الشعر الملحون، وما فيه من إشراقات صوفية متميزة. فلا يخفى على أحد مدى تعلق المغاربة عموما بدينهم الإسلامي الحنيف، سواء من حيث الإخلاص لله تعالى، أو محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لهذا تزايدت الرغبة في معرفة الحق سبحانه معرفة روحية وذوقية. إضافة إلى ذلك، درج شعراء الملحون على تعظيم أضرحة الصالحين والصوفية، وزيارتها والتماس المدد منها، بل إن بعضهم كان منخرطا في سلك الطرق الصوفية على حد ما تمت الإشارة إليه سابقا. وهكذا يفيض الشعر الملحون في المغرب بالعديد من القصائد في هذا المجال.
فعند استقراء قصائد الملحون ذات الأثر الإشراقي، تستوقفنا إشارات كثيرة من هذا الشعر الصوفي، للتأمل فيها والنظر في محتواها.. فهي مرآة للممارسة الصوفية، تعبرعن تجربة خاصة، وإن كانت لا ترقى إلى مستوى ما عليه التصوف عند أهله وذويه. ومع ذلك، فهذا الشعر يحمل قيمة عندما يتعلق الأمر بما تدعو إليه من سلوك وممارسة أخلاقية. ومعلوم أن للصوفية أخلاقا جميلة يتصفون بها، وآدابا يتفقون على اتباعها، وتعاليم لا يختلفون حولها. وفي هذا الصدد يقول الإمام أبو الحسن الشاذلي بأن للصوفية أربعة أصناف يمتازون بها عن سائر الخلق:
1 ـ التخلق بأخلاق الله عز وجل، وهذا ما نجده في الإيثار والتسامح والفراسة والبصيرة والجود والعطاء والمحبة ..
2 ـ طاعة الله تعالى والإخلاص له، وصدق النية والتوكل، وإسقاط التدبير مع الله.
3 ـ ترك الانتصار للنفس حياء وحشمة من الله تعالى، وذلك بالرجاء في الله والخوف منه سبحانه، ومخالفة النفس والبعد عن هواها.
4 ـ المكابدة والمجاهدة في سبيل الله، والصبر والمعاناة والزهد في الدنيا، وهذا هو الخلق الحسن. ومن هنا تتحدد غايتهم، وهي الطريق الموصل للقرب من الله.