الإشراق الصوفي في الشعر الملحون – الحلقة الخامسة عشرة

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الطلعة البهية لشهر رمضان المبارك، يسعدني أن أتقاسم مع قراء MCG24 موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بالإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، متمنيا لهم جميعا قراءة ماتعة ورمضانا مباركا، أدخله الله علينا باليمن والبركة والتيسير، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبلغنا جمال لحظاته ونحن في أحسن حال.

الحلقة الخامسة عشرة:
فشاعر الملحون كما يبدو، كان بحق عنوانا للمحب المخلص لله تعالى، أعرض عن الدنيا وانخرط في التأمل والعبادة والمواجيد وحلقات الذكر، لتصفو نفسه، فيرجع إلى الله. ومن ثمة، سار الشاعر في طريق الله، يردد الأذكار والأوراد بغية الوصول إلى مقام العارفين بالله. ولا يختلف اثنان في أن الحياة الصوفية كلها إشراقات وصدق ومناجاة. ولعل شاعر الملحون كان من هؤلاء الصوفية الذين دوت حناجرهم باسم الله، وكانت قلوبهم حاضرة لم تغب عن الذكر، وكانت واعية به، وذلك من خلال ثنائهم الجميل على الله، واعترافهم بأن الفضل منه. وهذا الأمر يزيد الشاعر المتصوف صلة بربه، ويعمر وجدانه شعورا بعظمة الخالق وجلاله ويطهره من الخطايا والأدران. ومن هنا حرص الصوفية أن يجتمع لهم الذكر مع الفكر، بغية تزكية النفس، كأن يتفكر المتصوف في الأشياء وهو يسبح للخالق عز وجل، أو يحمده أو يكبره أو يوحده. فالذكر والفكر يعمقان معرفة الله في القلب. وبناء على ذلك، تناول شعراء الملحون مسألة التفكر في خلق الله، وأولوها ما تستحق من عناية، انطلاقا من تأملاتهم ومشاهداتهم، فجاءت قصائدهم في هذا الاتجاه صادقة تفيض بأجمل وأبهى الصور الإشراقية. فالشاعر يسبح لله تعالى الذي جعل الشمس ضياء، تشرق في كل أرض، تزهى وتروق في أول الضحى، وتعلو لتلقي أشعتها على الجدران، ثم تتجلى في كبد السماء يخطف سناها الأبصار، وكأنها عذراء في عز نموها وشبابها، لا يستطيع أحد أن ينظر إلى جمالها، وإذا ما حان الغروب بعد ذلك، يصفر جبينها في لحظات لتروح له لابسة أردية حمراء.
يقول الشاعر الحاج ادريس لحنش
أساقي سبحان ربنا هذا الشمس افكل أرض تتجلـــى عل لبـــطــاح
وتزهى في أول الضحى              تنشر فوق لجدار ببروز اثناها
تبدا بها بعد ذاك تتجلى في كبد السما اسناها يخطف للماح
كعذرا فالصغر طافحــا               لامن يقوا يشوف فجمال ابهاها

        إلى حان اغروبهـا افـساعا يصفار اجبينها اللغــروب اتـروح ارواح

فكساوي يا صاح ناصحـا           عكري مغلوق فيه تغرب في ماها  ..