
الإشراق الصوفي في الشعر الملحون – الحلقة الثامنة عشرة:
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الطلعة البهية لشهر رمضان المبارك، يسعدني أن أتقاسم مع قراء MCG24 موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بالإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، متمنيا لهم جميعا قراءة ماتعة ورمضانا مباركا، أدخله الله علينا باليمن والبركة والتيسير، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبلغنا جمال لحظاته ونحن في أحسن حال.
الحلقة الثامنة عشرة:
يبدو أن الشعر الملحون قد غطى مساحة كبيرة في هذا المجال، حيث أكد الشعراء المتصوفة شدة تمسكهم وتعلقهم بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وضمنوه صورة جهادهم في سبيل الفوز بوصل صفاء وكمال مقامه، ونشوة لقائه، على اعتبار أنه المثل الأعلى للإنسان الكامل، وباب مقام الله سبحانه وتعالى الذي لا يمكن المرور إليه إلا عبره.
وهكذا، تميز تصوفهم بالتعلق بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، تأكيدا لسنية الطريق الصوفي. لهذا نجد غير قليل من شعراء الملحون، يلتزمون بمثل هذا الخط الصوفي. وكنموذج على ذلك، يقول الحبيب الهايج:
أراســـي .. واخدم ربـــــــي فـارق عـنك حالت لـمـزاح
واتهل في الدين كن متشمر حربي
واستحرم بالناس لمـــــــــلاح
ويقول الحاج الصديق :
كولو اللمت يكفا من الجحـــــــاد
سامح الطف مولانا سمــــــاح
أيا سيادنا عطف بالمـــــلاح والخير والاحسان اخبار بوعاد
بالصدق والصفا تنعمر لجباح وعدتكم يا ناسي فالانشـــــــاد
صيغوا أتصنتوا للقول النصاح غبط في الدين والذكر ألوراد
كفوا ألسنكم من قوة لمــــزاح من سلم إسلم راح الو يسكاد
يفتح ابصيرتو مولاي الفتاح ..
إضافة إلى ذلك، دعوا أيضا إلى ذم الدنيا، فهي فانية، وأن الدوام لله تعالى وحده. يقول الشاعر المغراوي في هذا الصدد:
ما دايم الملك غير للدايم لمعين وما سواه فلورى كله فانـــي
خالق لشيات كلها رب الكونين نفنا واكداك بامرو نعم الغاني
الصحة ما تدوم والصغر تخـــوين اسمع مني الصح وفقه تبياني
..
واعلم أن لبقا لمن يحيي لـعظام مـن ليـه الـمـلك حـق دايـم بــدوام
عبر من ذاتك فالزمان
واش لبدان ما زالت فالديدان
كيف كانت اكبيل
واعلم بان الرحمان
رب جمع لكوان
غاني مغني منان
ليس ليلو امثيل …
فالدنيا ظل مآله الزوال، وسراب يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا وصله لم يجده شيئا. وقد كشف الله تعالى عن وجه الدنيا ومتاعها الزائل مهما كثر وامتد. فالموت بمرصد لكل نفس. يقول تعالى: ” كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”.
في هذا الإطار نفسه، رسم شاعر الملحون للحياة صورة بشعة منفرة خسيسة، لا يغتر بها إلا مغفل مجنون .. وهي صورة نجدها في قصائد “الجفريات”. ولذلك، فهي” دار متى أضحكت في يوم أبكت في غد.
يتبع …