
الإشراق الصوفي في الشعر الملحون – الحلقة التاسعة عشرة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
بمناسبة الطلعة البهية لشهر رمضان المبارك، يسعدني أن أتقاسم مع قراء MCG24 موضوعا في غاية الأهمية، يتعلق بالإشراقات الصوفية في الشعر الملحون، متمنيا لهم جميعا قراءة ماتعة ورمضانا مباركا، أدخله الله علينا باليمن والبركة والتيسير، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبلغنا جمال لحظاته ونحن في أحسن حال.
الحلقة التاسعة عشرة :
كشف الإمام الغزالي عن حقيقة الدنيا بقوله: “إن الدنيا عدوة لله، وعدوة لأعداء الله. أما عداوتها لله، فإنها قطعت الطريقة على عبادة الله، ولذلك لم ينظر الله إليها منذ خلقها. وأما عداوتها لأولياء الله عز وجل، فإنها تزينت لهم بزينتها، وعمتهم بزهرتها ونضارتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها. وأما عداوتها لأعداء الله، فإنها استدرجتهم بمكرها وكيدها، فاقتنصتهم بشبكتها حتى وثقوا بها وعولوا عليها، فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها، فاجتنبوا منها حصرة تتقطع دونها الأكباد، ثم حرمتهم السعادة أبد الآباد، فهم على فراقها يتحسرون، ومن مكايدها يستغيثون ولا يغاثون.”
ومع هذا، فإن الذين استولت عليهم الدنيا، وكانوا أسرى لها، لا يجدون لحياتهم طعما إذا هم خرجوا من سلطانها وتحرروا من أسرها.
لذلك، لا يجب على الإنسان أن يغتر بالدنيا، فهي زائلة فانية. يقول شيخ الملحون أحمد المغراوي في هذا السياق:
وين نوح فســــلام
وين لفضيل ســـام
وين يدفت أحـــــام
وين أيوب فلرصام
وين صالح وحــام
وين داود لهمــــام
وين ابراهيم وين اسماعيل لمجد
ويت اسحاق وين يعقوب أولاد
وين إلياس وين دانيال أهل الجد
وين ذا النون اسرور قلبو واعيادو
وين ادريس زال به اغيار النكد
أذ القرنين من ابلغ في تجهادو
وين موسى المعهـــود
وين شعيب أهـــــود
وين النمرود أصولتــو
وين جالوت أدنيتــــــو
وين فرعون ألامتـــــو …..
هكذا، حاول شعراء الملحون، انطلاقا من وعيهم الديني، وأصالة الانتماء إليه، أن يشكلوا نظرة حقيقية وموضوعية للحياة .. فلم تغرهم زينتها، ولم تنل من إيمانهم، فانبرى غير قليل منهم إلى تطهير النفس والفرب من الخالق سبحانه وتعالى، قربا يرتكز على أسس سلوكية ونفسية وعقدية بعيدة عن زيغ الأهواء ومهاوي الآراء ..
وهذا الشيخ ابن علي الدمناتي، يرى أن الفجار يرون الدنيا جنة، وأن الصوفية يرونها جحيم المؤمنين. يقول:
جنة الكل فاجر واجحيم المومنين شافتها الصوفية
يا سعدات من سلم في اهواها وخلاة..