ثقافة

حرية التعبير والتدوين والنضال: مسؤولية قبل أن تكون حقًا

الصويرة- مبارك أݣيزول

في عصر الانفتاح الرقمي وسهولة الوصول إلى المنصات الاجتماعية، أصبح بإمكان أي شخص أن يدلي برأيه، وينشر تدويناته، ويعلن نضاله. وهو أمر في ظاهره يعكس تقدّمًا ديمقراطيًا وتكريسًا لحقوق الإنسان، لكنه في جوهره بات يُستخدم أحيانًا كذريعة للفوضى، وتبريرًا للتجاوز، وتمردًا على كل شكل من أشكال التنظيم والضبط.

نعم، من حقك أن تنشر تدويناتك، ومن حقك أن تناضل، ومن حقك أن تعبّر عن رأيك. لكن هذه الحقوق ليست مطلقة، وليست بمنأى عن المسؤولية. فقبل أن تمارسها، عليك أن تدرك جيدًا:

قواعد النشر: لأن حرية النشر لا تعني نشر الأكاذيب، أو التشهير، أو التهجم على الآخرين دون وجه حق.

أخلاقيات الكتابة: فالكلمة قد تكون جسرًا أو سكينًا، وقد تبني وعيًا أو تهدم قيمًا، والكاتب الحر هو من يكتب بعين الحقيقة لا بعين الغضب.

ضوابط التعبير: فليس كل ما يُقال يجب أن يُنشر، ولا كل ما يُشعَر به يصلح لأن يُطرح علنًا دون تمحيص أو مسؤولية.

هوامش الحرية: فحتى الدول الأكثر ديمقراطية ترسم حدودًا للحرية، لحماية النظام العام وكرامة الأفراد.

مصداقية القول: لأن الرأي بلا سند، والمعلومة بلا مصدر، لا تُعدو أن تكون ثرثرة فارغة أو تضليلًا موجهًا.

قانون الحريات: الذي لا يُقيد التعبير، بل يؤطّره، كي لا يتحول إلى أداة للإساءة أو التحريض أو زرع الفتنة.

لقد أصبح البعض يختزل النضال في منشور انفعالي، أو يخلط بين المعارضة والتشويش، ويُقنع نفسه أن الغوغاء ثورة. والحقيقة أن النضال الحقيقي هو وعيٌ عميق، والتزام صارم بقضية، واحترام للوسائل المشروعة. أما التدوين، فهو ليس مجرد كتابة عشوائية، بل خطاب موجّه، يملك أثرًا وقد يترك ندبةً في وعي الناس.

إننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى أن نعيد الاعتبار للكتابة المسؤولة، والنضال النظيف، والتعبير الذي لا يفسد ولا يُحرض. فحرية التعبير ليست فوضى، والتدوين ليس سباقًا في كسب الانتباه، والنضال ليس مبررًا لتجاوز الأخلاق.

قبل أن تطالب بحقك في التعبير، تذكّر مسؤوليتك في احترام من تُخاطب، وما تكتب، ولماذا تكتب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 + 18 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض