ثقافة

خطاب الافتتاح الدورة الـ16 لمنتدى “ميدايس”

فخامة السيد الرئيس،
فخامة السيدة رئيسة الحكومة،
فخامة السادة رؤساء الحكومات،
فخامة السيدات والسادة الوزراء،
أيها الضيوف الكرام، أعزائي الأصدقاء،

تستقبلنا طنجة، بوابة الجنوب وجسر بين العوالم، مرة أخرى في أنفاسها التاريخية. تجمعنا هنا، ليس فقط لفهم تحديات اليوم، بل من أجل محاولة الرد عليها معًا، بالقوة والجرأة اللتين تحفزاننا. ليس من قبيل الصدفة أننا هنا. طنجة هي المكان الذي تتقاطع فيه تيارات الفكر، حيث تتقاسم الرؤى، ومنذ قرون، تتشكل الحوارات بين الجنوب والشمال، وبين الثقافات والحضارات.
قصر الفنون والثقافة في طنجة، الذي يستضيف منتدى “ميدايس” لأول مرة، هو أكثر من مجرد تحفة معمارية. إنه تجسيد حي للطموح الثقافي والفكري للمغرب ورؤية رائدة تجسدها وتدافع عنها جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله.
هذا القصر، المعلم المعماري الواقع في قلب طنجة، يمثل مفترق طرق حيث تلتقي التاريخ والحداثة والانفتاح على العالم. مساحاته الواسعة، التي تم إعادة تأهيلها خصيصًا لهذا الحدث، توفر إطارًا مهيبًا لنقاشاتنا.
هذا المكان المرموق يضيف بُعدًا جديدًا لمنتدى “ميدايس”، بما يتناسب مع امتداد إشعاعه الدولي. كما يرمز إلى التزامنا الجماعي بوضع طنجة في قلب النقاشات العالمية، كمنصة حيوية يلتقي فيها الجنوب والشمال لتشكيل محاولات حلول للأزمات العالمية.
اليوم، تحت شعار “السيادة والمرونة: نحو توازن عالمي جديد”، نحن مدعوون لاستكشاف سبل جديدة، لبناء جسور في عالم مجزأ. هذا الشعار هو في الحقيقة وعد، وعمل من الإيمان في قدرة الأمم على تحديد مسارها الخاص، على النهوض من الأزمات بكرامة، وعلى بناء جسور بين الشعوب لتحويل التحديات إلى أمل جماعي.
السيادة والمرونة، كلمتان قد تبدوان بسيطتين من حيث الفهم، ولكنهما تحملان إرادة الشعوب في البقاء أصحاب مصيرهم، في الوقوف مجددًا والمضي قدمًا رغم الرياح المعاكسة. في هذا العصر الذي تتوالى فيه الأزمات المتعددة، حيث تتشابك النزاعات والأزمات الاقتصادية والمناخية والصحية في دوامة لا تنتهي، يصبح التزامنا بهذه القيم أكثر حيوية من أي وقت مضى.
السيادة ليست مجرد مسألة حدود. إنها قدرة كل دولة على اتخاذ قراراتها بنفسها، على اختيار تحالفاتها، على بناء مستقبلها دون الاعتماد على إرادة الآخرين. إنها روح كل أمة التي تطالب باحترام خصوصياتها ومسارها الخاص، الفريد بطبيعته، بعيدًا عن الأشكال الجاهزة أو المفروضات. أما المرونة، فهي الشجاعة في النهوض من جديد، في إعادة اختراع الذات، في العثور على بذور الولادة الجديدة في محنة الأزمات. هي ببساطة القدرة على تحويل الأزمات إلى فرص.

فخامة السيدات والسادة،
بالنسبة للسيادة، فإن الرؤية الاستشرافية لجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، قد مكنت المغرب من تحويل صحرائه إلى ركيزة استراتيجية، ليس فقط على الصعيد الدبلوماسي، ولكن أيضًا على مستوى التنمية الإقليمية والقارية المتكاملة.
فاليوم، أصبحت الأقاليم الجنوبية محورًا في تحول مستمر، بفضل رؤية ملكية طموحة ومتعددة الأبعاد. الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، والمنطقات الحرة، وكذلك المشاريع الاجتماعية والثقافية، هي جميعها دلائل ملموسة على ديناميكية شاملة وفعالة، موجهة نحو المستقبل.
اليوم، تمثل الصحراء المغربية فضاءً للمستقبل، ليس فقط للمغرب، ولكن للقارة الإفريقية بأسرها. إنها جسر بين إفريقيا وأوروبا، بين الساحل الأطلسي ومنطقة الساحل، وأداة للتعاون بين الجنوب والجنوب، تجسد رؤية ملكية لإفريقيا متكاملة وذات سيادة. في هذا السياق، يواصل المغرب التأكيد على مكانته كفاعل رئيسي في قضايا القارة الإفريقية والبحر الأطلسي، مع المساهمة في تعزيز السلام والتنمية الإقليمية.
الدعم الدولي المتزايد لسيادة المغرب على الصحراء، الذي يتجسد في الاعتراف الصريح بسيادته من قبل شركاء استراتيجيين مثل الولايات المتحدة، إسبانيا، وفرنسا مؤخرًا، يمثل نقطة تحول حاسمة في هذا الملف.
كما أن فتح القنصليات في العيون والداخلة من قبل العديد من البلدان الإفريقية، العربية ومنطقة الكاريبي يشكل دليلًا ملموسًا وواضحًا على الشرعية المتزايدة لهذه السيادة على الساحة الدولية.
هذا الزخم الدولي الكبير لدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء تحت السيادة المغربية يعكس وعيًا متزايدًا في المجتمع الدولي: الصحراء المغربية هي وستظل جزءًا لا يتجزأ من المملكة المغربية. وهذا الاعتراف يعزز فقط صحة الموقف المغربي ويكرس مكانة الصحراء المغربية كركيزة استراتيجية للاستقرار والتعاون والتنمية في المنطقة.
في النهاية، لا تعد الصحراء المغربية مجرد رمز للسيادة، بل هي محرك لطموح يشترك فيه العديد من البلدان الإفريقية: تحويل التحديات إلى فرص وبناء مستقبل يسوده التنمية والوحدة.

فخامة السيدات والسادة،
منتدى “ميدايس” هو أكثر من مجرد حدث سنوي. إنه بوتقة الأفكار، ومركز طموح يضع الجنوب في قلب القرارات العالمية. هذا المنتدى هو صوتنا، صوت الجنوب، صوت كان مهملًا لفترة طويلة، لكنه اليوم يرفع ليقول إن مستقبلنا ليس امتيازًا يمنحه الآخرون، بل هو حق نأخذه بيدنا، بعزم وإرادة. أصبح “ميدايس” هو الجسر الأساسي بين الجنوب والشمال، المكان الذي نتبادل فيه، نفهم فيه، وقبل كل شيء، نبني فيه معًا.
هذا المنتدى لا يقتصر على إدانة شقوق العالم. إنه تجسيد للمرونة نفسها.
لمن يرون في الجنوب دولًا هشة، نعرض لهم هنا شعوبًا عزيزة، قوية، قادرة على التفكير والعمل من أجل الصالح العام. أكثر من أي وقت مضى، نؤكد أن الجنوب ليس مجرد متفرج على القرارات التي تُتخذ في أماكن أخرى. الجنوب هو فاعل، قوة دافعة، شريك لا غنى عنه لمواجهة التحديات العالمية.
نحن هنا في “ميدايس”، نحمل معًا الإيمان بأن الذكاء الجماعي يمكن ويجب أن يقودنا. في هذا الوقت الذي تتشابك فيه الأزمات، ليس أمامنا خيار سوى الاعتماد على قدرتنا في جمع قوتنا وعقولنا ورؤانا. في تنوع تجاربنا، وفي تقاطع وجهات نظرنا، نجد المفتاح لعالم أكثر توازنًا. في مواجهة عدم اليقين في عصرنا، يجب أن نعيد تعلم الثقة في الذكاء الجماعي، وفي الحكمة الجماعية، وفي تلك الشعلة من الوضوح التي تنبثق عندما نوحد عقولنا وقلوبنا.
في هذه الأوقات غير المؤكدة، يُعتبر منتدى “ميدايس” رائدًا، جسرًا للأفكار، وخطًا رابطًا بين الجنوب والشمال، لتذكير الجميع هنا أننا معًا سنتغلب على الأزمات، عبر دمج قوتنا وعقولنا. نحن هنا في طنجة لنحاول رسم طريق جديد، حيث تُحترم سيادة كل أمة ومرونة كل شعب، وتُزرع وتُرعى.
لا تخافوا من الحلم الكبير، من الابتكار، من الإيمان بقوتنا الجماعية. لأن إذا كانت الأزمة متعددة الأبعاد هي تحدينا، فإن الذكاء الجماعي هو إجابتنا. نحن هنا، متجمعين، نبني عالم الغد – عالم تكون فيه السيادة والمرونة قيمًا لا تمس.

فخامة السيدات والسادة،
سأنهي كلمتي بالتعبير، بتواضع وبتقدير عميق، عن امتناني العميق لجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، على دعمه غير المحدود منذ بداية هذا المنتدى. بفضل الرعاية السامية والدعم الملكي المستمر، الذي يعد مصدر فخر لفريق معهد أماديوس، يظل منتدى “ميدايس” هذا المعقل للتفكير والعمل، هذه الصوت الجنوبي الذي يتوجه للعالم بثقة وطموح.
وأخيرًا، أود أن أشكر بحرارة كل من يجعل تنظيم “ميدايس” ممكنًا: رعاتنا، شركاؤنا المؤسسيون، وبالطبع السلطات المحلية – ولاية طنجة-تطوان-الحسيمة، المنطقة، ومدينة طنجة. دعمهم الثابت، وثقتهم المتجددة، والتزامهم الثابت هو حجر الزاوية لنجاح الدورة الـ16 لمنتدى “ميدايس”.
لتكن هذه الدورة من “ميدايس”،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 + عشرين =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض