
الإعلام المغربي بين المهنية وإغراءات التفاهة: هل انحرفنا عن المسار؟
عبدالرحيم لحبابي
في ظل الانفجار الرقمي الذي نشهده اليوم، أصبح الإعلام يواجه تحديات كبيرة تتعلق بنوعية المحتوى وطريقة عرضه. لقد دخلت الصحافة مرحلة حاسمة تتطلب إعادة التفكير في مفهوم “المهنية” و”الجدية” في العمل الصحفي، خصوصًا مع التركيز المتزايد على الأرقام والإحصائيات، مثل عدد النقرات والمشاهدات. هذه المعايير، التي تهيمن على منصات الإنترنت، أصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا للصحافة الجادة.
لنأخذ الويب المغربي كمثال، حيث أصبحت منصات الأخبار تروج لما يمكن اعتباره “محتوى تافه” – في ظل تدفق المقالات والفيديوهات التي تغطي الحكايات اليومية لشخصيات تافهة أو مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين غالبًا ما يروجون لأنفسهم من خلال الفضائح والأنشطة الهزلية. ماذا يعني أن تكون المواقع الصحفية المتخصصة في نقل الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى، على غرار مواقع ذات تاريخ في الصحافة المهنية، قد بدأت في تقديم مثل هذه المواضيع؟ هذا يمثل تحولًا في دور الصحافة التي كانت تاريخيًا مهمتها نقل الحقائق والموضوعية.
مواقع الإنترنت التي تركز بشكل مكثف على أرقام المشاهدات، بعيدًا عن مسألة المصداقية أو تقديم المعلومات التي تساهم في تطور المجتمع، تساهم بشكل غير مباشر في تآكل الثقة في الصحافة الجادة. فمن الطبيعي أن يستقطب “المحتوى الرخيص” والمتعلق بالحياة الشخصية للأفراد أو المواضيع الترفيهية السطحية عددًا كبيرًا من المتابعين والمشاهدات، ولكن من المؤسف أن هذه النوعية من الأخبار تسحب البساط من المواضيع التي تساهم في تثقيف وتوعية المجتمع.
إذا كانت الصحافة تهدف إلى رقي الفرد والمجتمع، فإن الانزلاق إلى “تغطية التافه” سيضر بلا شك بالقيم التي تعتمد عليها. وفي هذه المرحلة بالذات، أصبح من الضروري أن تتخذ المؤسسات الصحفية موقفًا صارمًا تجاه هذا الانحراف، وأن تعيد ترتيب أولوياتها فيما يتعلق بتغطية المواضيع. فقد نكون على أعتاب سلسلة من الحوادث المؤسفة في عالم الصحافة، إذا استمررنا في التوجه نحو الإعلام الذي يسعى فقط إلى جذب الأرقام على حساب الجوهر والمحتوى الذي يرفع من مستوى النقاش العام ويساهم في بناء مجتمع واعٍ ومثقف.
الحديث هنا ليس فقط عن الصحافة الإلكترونية، بل يشمل جميع وسائل الإعلام التي باتت تعتمد بشكل مفرط على معايير قياس مثل “عدد المشاهدات” بدلاً من تقديم محتوى رصين يرفع مستوى الوعي ويشجع على التفكير النقدي. هذه نقطة مفصلية، وإذا لم يتم التصدي لها، فإن الإعلام سيصبح مجرد أداة ترفيهية بدلًا من كونه منبرًا تثقيفيًا يساهم في تقدم المجتمعات.