أخبار دولية

فوكوشيما.. شخصية ملهمة من عالم الظلام والسكون

شابك الرجل الستيني يديه مع يدي المرأة الجالسة جانبه، و بمجرد بداية الحديث انطلقت عملية النقر على أطراف أصابعه، كل كلمة ينطقها محاوِرُه كأنها تكتب بآلة برايل. تعتبر هذه الطريقة الفريدة من نوعها ناجعة في عملية الترجمة الفورية لإخراج الصم من عالم الصمت والسكون.

 

ابتكرت هذا الأسلوب في الترجمة الفورية والدة الرجل الستيني، كان اسمها ريكو، بعد فقدان ابنها فوكوشيما ساتوشي المولود في محافظة هيوغو عام 1962. بصره تماماً في سن التاسعة ثم فقد سمعه في سن 18 عامًا، اضطرت لابتكار طريقة جديدة لتتواصل مع ابنها، تطورت مع مرور السنين لتلقى انتشارا واسعا منذ ذلك الحين كإحدى الطرق التي يستخدمها الصم المكفوفون للاتصال الفوري.

 

فوكوشيما ساتوشي يعتبر من رموز الكفاح في العالم، حيث أصبح أستاذاً مشاركاً في جامعة كانازاوا متحديا احتياجاته الخاصة، وكان قبلها أستاذاً في مركز أبحاث جامعة طوكيو للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة منذ عام 2008، ويعد أول شخص أصم مكفوف في العالم يصبح أستاذاً جامعياً بدوام كامل. هو مدير الرابطة اليابانية للصم المكفوفين وتولّى منصب الممثل الإقليمي عن قارة آسيا في الاتحاد العالمي للصم المكفوفين لمدة خمس فترات حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2022. في عام 1996، فاز بجائزة يوشيكاوا إيجي الأدبية بالاشتراك مع والدته ريكو، وفي عام 2003 اختارته مجلة تايم الأمريكية ضمن أبطالها الآسيويين. تشمل كتاباته Mōrōsha toshite ikite (الحياة كشخص أصم مكفوف) و Boku no inochi wa kotoba to tomo ni aru (بالكلمات أحيا).

 

في حوار صحافي سابق لفوكوشيما، استحضر سؤالا لأحد الصحافيين عما إذا كان يشعر بالغيرة من الأشخاص المعافين القادرين على عيش حياتهم دون قيود أو عوائق، فكان جوابه ملهما حيث قال ”بقدر ما أتذكر، لم يراودني هذا الشعور أبدًا. أنا إن أمضيت وقتي أفكر بهذه الطريقة ،هذا الشخص يستطيع أن يرى، وذاك الشخص يستطيع أن يسمع، وتملّكني الشعور بالغيرة من هذا ومن ذاك، فستتحول حياتي إلى جحيم ولن أكون قادرًا على الاستمرار في العيش. كل شخص مختلف والناس لديهم حياتهم، وأنا لديّ حياتي. هذا هو الأساس الذي أعيش عليه حياتي. لا أحد يستطيع أن يعيش حياتك من أجلك، بل عليك أنت أن تعيشها بنفسك”.

 

كلمات فوكوشيما ليست عابرة، فقد اتخذها منهجا لحياته، فحتى في فترة جائحة كورونا التي اجتاحت العالم ، لم يتذمر من احتياجاته الخاصة في عالم يفرض التباعد الاجتماعي وأوجب إيقاف عملية الترجمة الفورية بالنقر على الأصابع، مما دفعه إلى اللجوء لاستخدام جهاز خاص يحول البيانات النصية إلى نصوص يمكن قراءتها بطريقة برايل اليابانية. ويمكّنه هذا الجهاز من الاتصال بالإنترنت وقراءة الأخبار. كما أنه يستخدم وظيفة إخراج النص الموجودة في الجهاز للكتابة بطريقة برايل، التي يتم تحويلها بعد ذلك إلى نص ياباني، مما يتيح له كتابة رسائل البريد الإلكتروني وإرسالها.

 

يشعر فوكوشيما بالقلق لأن العديد من الطلاب معزولون تمامًا – لا سيما المجموعة التي بدأت دراستها في ربيع عام 2020 وأصبحوا الآن في عامهم الدراسي الثالث. فلمدة عامين بعد دخولهم الجامعة، كانت جميع المحاضرات تقريبًا تُدرّس عبر الإنترنت، وفُرضت قيود صارمة على الاختلاط الاجتماعي والأنشطة اللامنهجية. ففي الوقت الذي يعتبر نفسه محظوظا لتمكنه من اقتناء الحاسوب الخاص ذو التكلفة الباهضة، لم يتردد فوكوشيما من ذكر معاناة معظم الأشخاص الذين يحتاجون إلى هذا النوع من الأجهزة يضطرون إلى إنفاق حوالي 200 ألف ين من أموالهم الخاصة، حتى مع وجود بدلات الدعم العام التي توفرها الحكومة.

 

 

كان على فوكوشيما أن يتأقلم مع العيش دون القدرة على الرؤية أو السمع. يقول ”ما الذي يعنيه هذا؟ الحالة الوحيدة التي سمعت عنها وكانت تشبه حالتي هي هيلين كيلر، بالتأكيد كانت هناك حالات كثيرة مشابهة لحالتي في اليابان أيضًا لكن أحداً لم يسمع بهم لأن المجتمع لم يعرهم أي اهتمام. لقد بدأت أدرك الرسالة الموجهة لي، نعم أدركت أن عليّ القيام بشيء لمساعدة هؤلاء الأشخاص“.

 

وقد تمكن فوكوشيما من فتح نافذة جديدة للعالم للتعرف على معاناة الصم المكفوفين، ليكون بذلك شخصية ملهمة لكاتب فيلم ” لمسة أم“ (Sakura iro no kaze ga saku) الذي طرح في نونبر 2022 في دور السينما في جميع أنحاء البلاد، ولقد ساهم هذا الفيلم، الذي تم تصويره عن مراحل حياة فوكوشيما غير الاعتيادية، في التعريف بقصته الملهمة وإلقاء الضوء على معاناته ونجاحاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض