
مجتمع
نزوح أطباء القطاع العام يفاقم أزمة الصحة بالمغرب
تشهد المنظومة الصحية المغربية في الآونة الأخيرة موجة متزايدة من انتقال أطباء القطاع العام نحو المصحات والعيادات الخاصة. هذه الظاهرة التي تتسع بشكل لافت تثير قلقاً مجتمعياً وحكومياً، لما لها من تداعيات مباشرة على جودة الخدمات الصحية العمومية، خصوصاً في المستشفيات التي تعاني أصلاً من خصاص في الأطر والتجهيزات.
الوضع الراهن والأرقام
تؤكد آخر المعطيات أن معدل الأطباء في المغرب لا يتجاوز 7.3 طبيب لكل عشرة آلاف نسمة، وهو رقم يقل بكثير عن المعدل العالمي. هذا النقص الحاد في الموارد البشرية يزداد تعقيداً مع تسجيل نزيف متواصل للأطباء الذين يتركون المستشفيات العمومية، سواء للالتحاق بالمصحات الخاصة أو لممارسة موازية خارج إطار المرفق العام. في المقابل، يعرف القطاع الخاص توسعاً استثمارياً كبيراً، حيث تضاعف عدد المصحات والعيادات المجهزة بأحدث التقنيات الطبية. هذا التفاوت ينعكس بشكل مباشر على المواطنين، خاصة في المناطق الهشة والقروية التي تعاني أصلاً من ضعف في العرض الصحي.
أسباب النزوح نحو القطاع الخاص
أول ما يدفع الأطباء إلى الهجرة من القطاع العام هو الفوارق المالية. الأجور والحوافز في المصحات الخاصة تظل أكثر جاذبية مقارنة بما يوفره القطاع العام، ما يجعل الكثير من الأطباء يفضلون البحث عن استقرار مادي أفضل.
إلى جانب ذلك، تعاني المستشفيات العمومية من نقص في المعدات ووسائل التشخيص الحديثة، وهو ما يجعل الأطباء يواجهون صعوبات مهنية تعيق أداءهم وتقلل من فرص تطوير مهاراتهم. بينما تمنح المصحات الخاصة بيئة عمل أكثر تنظيماً وتجهيزات متطورة تسمح بممارسة طبية متقدمة.
كما يساهم عنصر المرونة في ساعات العمل والفرص المهنية في جذب الأطباء إلى القطاع الخاص، إذ يجدون مساحة أكبر لتطوير مساراتهم التخصصية وتحقيق دخل إضافي.
انعكاسات الظاهرة على الخدمات العمومية
نزوح الأطباء من القطاع العام يترك فراغاً ملحوظاً في العديد من المستشفيات، خصوصاً في التخصصات الدقيقة مثل التخدير والجراحة والإنعاش. هذا النقص يؤدي إلى إطالة قوائم الانتظار وتفاقم معاناة المرضى، حيث يضطر الكثيرون للجوء إلى المصحات الخاصة وتحمل تكاليف باهظة للعلاج.
الأثر لا يتوقف عند حدود المدن الكبرى، بل يضرب بقوة في القرى والمناطق النائية التي تُترك في مواجهة خصاص حاد في الأطر الصحية. ومع استمرار النزوح، تتسع الفجوة بين الفئات الاجتماعية في الولوج إلى العلاج، مما يجعل الحق الدستوري في الصحة مهدداً.
الإطار القانوني والجدل النقابي
القوانين المنظمة لمهنة الطب في المغرب تفرض قيوداً على الجمع بين العمل في القطاع العام والخاص، إلا أن الممارسة المزدوجة لا تزال قائمة في عدد من الحالات، ما يثير جدلاً واسعاً بين النقابات والهيئات المهنية. بعض الأصوات تدعو إلى تشديد الرقابة ومنع أي خرق للقوانين، فيما ترى أطراف أخرى أن الحل لا يكمن في المنع وحده، بل في تحسين ظروف العمل داخل المستشفيات العمومية لوقف هذا النزيف.
الحاجة إلى إصلاحات عاجلة
لمواجهة هذه الأزمة، بات من الضروري إعادة النظر في الأجور والتحفيزات لجعل القطاع العام أكثر جاذبية للأطباء، خصوصاً في التخصصات الحيوية. كما أن الاستثمار في البنية التحتية للمستشفيات العمومية أصبح مطلباً ملحاً لتقليص الفجوة مع القطاع الخاص، وضمان جودة متوازنة للخدمات الصحية.
إضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر وضع سياسة واضحة لتنظيم الممارسة المزدوجة، مع توفير فرص للتكوين المستمر والتطوير المهني داخل المستشفيات العمومية. هذه الإجراءات قد تساعد في استعادة التوازن وحماية النظام الصحي من المزيد من الاختلالات.