
إصدار جديد للشاعر والديبلوماسي عبد الكامل دينية
أصدر الصديق العزيز والأخ الكريم الشاعر والديبلوماسي الأستاذ عبد الكامل دينية ديوانه الشعري الثالث “مزهريات زجلية”، وقد سررت بكتابة “انطباعات ” عن هذا المنجَزِ الإبداعي، نشرها ضمن ديوانه هذا الصادر عن “منشورات النادي الجراري” بمناسبة الذكرى التسعين على تأسيسه (1930- 2020)، هذا نصها:
انطباعات محمد التهامي الحراق:
1_ ليس من اليسير إنتاج قول يفي بفرادة الأثر الذي يتركه في الدخيلة القول الشعري. يبدو أن كل كلام بعد الشعر وحوله مهدد بالفقدان؛ أعني فقدان تلك الدهشة التي يتبلل بها وجدان القارئ في حضرة الشعر. لذا، ألوذ هنا بالهامش، وأركن لتوقيع انطباعات؛ أي آثار أولية ولدها في ذهني ودخيلتي ديوان الصديق العزيز والأخ المبدع الأستاذ سيدي عبد الكامل دينية. هي مجرد نفحات من عطر مزهرياته، أو قل نشقات من باقات زجلياته.
2_ يكاد ثابت الجمال، في الحس والمعنى، في الصورة والشعور، في الخلقة والأخلاق، هو الخيط الناظم للدواوين الثلاثة التي نشرها الأستاذ عبد الكامل إلى الآن. يظهر ذلك منذ عناوين هذه الدواوين، حيث يحتفي الأول بالجمال منذ العنوان: “نعم الجمال”، ويظهر الاحتفاء بقيمة حب الأمومة كمظهر من مظاهر الجمال العاطفي والإنساني الرفيع في الديوان الثاني “هي أمي الحبيبة”، لنصل في الديوان الذي بين أيدينا إلى مجلى جمالي آخر، يستعير المزهريات رمزا له. إنه جمال الباقات المزهرية، بتنوع ألوانها وعطرها، والذي يشير به الشاعر، من بين ما يشير، إلى تنوع نصوص ديوانه معنى ومبنى، تشكيلا وأفقا، دلالات وإيقاعات، مع وحدة البهاء المنشود في الزجل الشعري؛ والمشار إليه بنسغ الورود الفائح من هذه النصوص المزهرية.
3_ يظهر جمال التنوع ضمن الديوان في تنوع مجالي الجمال؛ فنحن إزاء نصوص كتبت في مراحل مختلفة، وفي حقول دلالية تنوعت بين “الدينيات” و”الوطنيات” و”الاجتماعيات” و”الغزليات” و”نصوص في زمن كورونا”. كما يتبدى ذاك التنوع في غنى تشكيلات الإيقاع والبناء واللغة والموسيقى الشعرية من نص لآخر. وهو التنوع الذي أنتج جمالا آخر جلته ألوان التلحينات التي حظيت بها بعض النصوص، والتي اكتسبت كينونة جديدة على أوتار العازفين وفي أصوات المطربين، حين صارت أغاني تنعش المواجيد وتطرب الجوارح والجوانح.
4_ لا يمكن لأي قارئ مغربي لديوان “مزهريات زجلية” إلا أن يكتشف بعض ألوان التناصات التي تسري برونق في نصوص الديوان، وأشكال التثاقفات التي تعتمل فيها، سواء مع الأمثال الشعبية المغربية، وخصوصا في باب “الاجتماعيات”، أو مع الذاكرة الشعرية الصوفية، والتي تنتعش في باب “الدينيات”، أو مع المدونة الغنائية الوطنية، خصوصا في باب “الوطنيات” و”نصوص في زمن كورونا”. وهي تناصات وتثاقفات تؤسس لمشترك جمالي مع المتلقي يزيد من درجة التلقي المتفاعل، معرفيا ووجدانيا، مع الديوان. ولقد كان لتلك الإضاءات التي جاءت في الهوامش كبير الأثر في التأطير الروحي والوجداني والجمالي لتلقي تلك النصوص. فنص كتب في مزار الولي الصالح سيدي العربي بن السائح، أوبأثر من نص صوفي باذخ، أو بتفاعل مع حدث وطني أو اجتماعي….الخ، لمن شأنه أن يشحن المتلقي بطاقة استثنائية لتعامل جمالي وجداني خاص مع النص المقروء.
5_ على أن ثمة قيمة رئيسة تمتد على طول الديوان تقتضي التسجيل والتثمين؛ ويتعلق الأمر بقيمة الوفاء؛ الوفاء للوالد بعد الاحتفاء الخاص بالأم في الديوان السابق؛ والوفاء للوطن ولمحبة السلطان، ويظهر ذلك في نصوص “الوطنيات” والنصوص ذات النفس الرسالي التوعوي في زمن كورونا؛ مثلما يظهر ذلك بشكل أجلى وأبهى في القصائد التي أهداها المؤلف لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وحظي بجواب كريم وامتنان رفيع من لدن جلالته. المبدى الثالث لقيمة الوفاء في الديوان هو الوفاء للأستاذ العميد د. عباس الجراري على تشجيعه الدؤوب للشاعر كي يواصل مساره الشعري بتميز في العطاء وألق في الإبداع؛ وما نشر هذا الديوان ضمن منشورات النادي الجراري في ذكراه التسعين إلا امارة على هذا التشجيع الذي يطوق الشاعر بواجب الشكر والوفاء. ولا ننسى هنا مظهرا رابعا لهذا الوفاء، إنه الوفاء للفروع بعد الأصول، او قل هو وفاء للمستقبل؛ ذلك ما نقرؤه في إثبات اسم حفيدته كاميليا في عنوان الديوان، وتخصيصها باعتبار خاص في هذا العمل.
وإجمالا، هذه مجرد انطباعات، لا تطمح ولا تطمع أن تكون قراءة في ديوان يستحق صاحبه التنويه على بذله النسكي وسعيه الصادق من أجل إغناء المشهد الإبداعي الزجلي في المغرب المعاصر. هي أفكار أولية من صديق صاحب جما من نصوص هذا الديوان في مرحلة الانولاد والانكتاب، ووقف على صدق الشاعر ودفق طموحه في أن يوقع بفرادة روحانية وعاطفية وتميز اجتماعي ووطني اسمه في ديوان الزجل المغربي المعاصر. وهو ما قطع فيه شوطا باهرا، وما زال بحول الله تعالى يعد بالكثير ، سائلين له طول عمر مع تمام عافية ومزيد إبداع وعطاء.