
غيرةً منَّا عليْهَا…
الدكتور محمد التهامي الحراق
بعيدا عن كلِّ تعميمٍ، وخارج ثنائية التمجيد أوالتنقيص، وغيرةً على النسبة العرفانية، وبمحبة لأهل هذا الشأن الإحساني في العالم الإسلامي، نتساءل: ما هي المشيخة الصوفية المطلوبة في زماننا؟ إنه السؤال المعرفي والعرفاني المنسي في المقاربات الصوفية المعاصرة. إذا نظرنا في مُنْتَجِ وسلوكِ كبار العارفين المسلمين في التاريخ نستنتج أنهم كانوا منخرطين في زمانهم بكل أبعاده إذـ”الصوفي ابن وقته”؛ كانوا يناقشون أسئلة زمانهم الفقهية والمعرفية والعرفانية والروحية والأخلاقية والجمالية؛ بل كان أكابرهم مستوعبين لـ”عصرهم المعرفي” بكل مكوناته العلمية، فتجدهم يستثمرون المعارف الفلسفية والفلكية والكيميائية واللغوية والفقهية والعرفانية والأدبية في كلامهم، ويصهرونها في رؤيتهم الذوقية ومحاورتهم العرفانية للقرآن الكريم واستمداداتهم الخاصة من الكمال المحمدي، مجيبين من خلال ذلك على احتياجات مريديهم وأسئلة زمانهم الوجودية والروحية والمعرفية والأخلاقية. لذا، فإن المطلوب من أي مشيخة مجَدِّدَة في زماننا أن تنحو هذا المنحى، فتحيي العمل العلمي والتزكوي، وتبذل لتحافظ على توهج سر السابقين الثابت، ولتجدد في تنزيله والاستمداد منه بما يلائم مقتضيات الهنا والآن؛ أي بما يلائم الواقع المتغير للإنسان المعاصر. ما سوى ذلك، وسواء رَكَن أعلامُ أهل النسبة المعاصرين إلى الصمت والخمول وعدم الدعوى، أو ادعى بعضهم التجديد فيما نجده يتحدث بكلامٍ هو من قبيل “القديد” لا “اللحم الطري” حدَّ إشارات الشيخ أبي مدين الغوث؛ سواء كان هذا أو ذاك، فإننا لن نغادر أرض “التبرُّك”، الذي له مزاياه الهوياتية والنفسانية والطقوسية والجمالية التي علينا أن نعتني بها، لكنه لا يرقى إلى أن يجعل التصوف مُسْهِما معرفيا وروحيا وأخلاقيا، كما كان خلال لحظات توهج العقل المسلم، في صناعة الحضارة الإنسانية والتحفيز على الفعل الخَلَّاق في التاريخ.