ثقافة

ما بعد الحداثة والعرفان..آفاق تحتاج لإعادة اكتشاف….

الدكتور محمد التهامي الحراق
إن من أهم ما يثيرني أن أعثر على آفاق متقاربة  بل توهم أن تكون متماثلة بين مرجعيات متناقضة المنطلقات والمسارات. تجد،مثلا، نصا حداثيا بعديا يمجد التعدد والاختلاف والصيرورة، ويروم إقحام الزمان في الهوية بحيث تغدو غير أحادية، وفي الكتابة بحيث تغدو شذرية غير خطية، وفي الصمت بحيث يغدو ناطقا باستحالاته، وفي البداهات بحيث تغدو الحقيقة مترحّلة ما تفتأ تتجاوز ذاتها…نعثر على ذلك في النصوص ما بعد الحداثية، كما هو شأن نصوص صاحب صرخة “موت الإله” فيلسوف المطرقة فريديريك نيتشه؛ مثلما نجد ذلك في النصوص العرفانية الإسلامية كما هو شأن نصوص “العارف بالله” الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي. لكن الأمر الدقيق الذي ينفلت غالبا من ملاحظة الكثيرين، فيقعون في المطابقة التأويلية بين تلك النصوص و”المرجعيات”، أن ما يبدو في نصوص فلاسفة ما بعد الحداثة مجاوزةً للميتافيزيقا، هو “نفسُه” ما يكتب عرفانيا على أرض الميتافيزيقا. تفجر نصوص المابعد الحداثيين مفاهيم الزمان والمعنى والكتابة والحقيقة والهوية والمطلق….، فتحررها من نمط التفكير الميتافيزيقي، بمغادرة أرض الميتافيزيقا، أو محاولة ذلك؛ فيما تفجر نصوص العرفانيين نفس المفاهيم بفتح النصوص المقدَّسة على مستحيلها، بحيث تجدِّد من انتمائها لنفسها، فتُقلِّب أرض الميتافيزيقا، وتجدد تفليحها وغرسها دونما مغادرتها، أو محاولة ذلك. ذاك ما يحتاج إلى إعادة اكتشاف، بعيدا عن كل إسقاط أو خلط بين الرؤى، وبعيدا أيضا عن كل استبعاد دوغمائي لأي فرصة للقاء والحوار بينها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض