
التنقيب عن الذهب في غابات الأمازون البرازيلية
تشهد غابات الأمازون البرازيلية “رئة الأرض”، تمركزا كبيرا لعمليات التنقيب عن المعادن تصل إلى 72 في المائة من مجموع أنشطة التعدين في هذا البلد-القارة، مما يضع البرازيل على محك الاختيار بين استغلال معدني واعد اقتصاديا والحفاظ على التنوع البيئي والبيولوجي الذي تزخر به هذه المناطق الإحيائية.
وتشير دراسة نشرتها منظمة “ماب بيوماس”، الاثنين الماضي، إلى أن نسبة 67 في المائة من جميع أنشطة استخراج المعادن التي تتم في أكبر غابة على كوكب الأرض تندرج في خانة أنشطة الاستغال المعدني غير القانونية، وهي عملية ت نعث في البرازيل باسم “غاريمبو”، وتمارس بشكل أساسي في مناطق محمية بيئيا.
وبصيغة أكثر وضوحا، فإن 97.3 في المائة من جميع أنشطة التعدين غير القانونية في البرازيل، تمارس في منطقة الأمازون، وهي منطقة تمثل حوالي نصف نشاط التنقيب الصناعي (القانوني) في اقتصاد يعد هو الأول على مستوى أمريكا الجنوبية.
وفي هذا الصدد، سجلت العديد من المنظمات غير الحكومية أن الذهب يعد ، بشكل خاص، من المعادن الثمينة التي تستأثر بهذا النشاط ، لاسيما أنه كان موضوع عمليات تنقيب محمومة وغير قانونية في معظم الأحيان.
وفي العام الماضي، قامت البرازيل بتصدير حوالي 110 أطنان من الذهب إلى حوالي 20 دولة، وهي حصيلة تعكس “حمى” جديدة تغذي المخاوف بخصوص أكبر غابة على كوكب الأرض. ويبدو أن هذه المخاوف لها مايبررها، حيث أن التنقيب عن المعدن الثمين يهدد 6.2 مليون هكتار من الأراضي المحمية الخاصة بالسكان الأصليين، أي ما يعادل ضعف مساحة بلد مثل بلجيكا، وفقا لمعهد إسكولهاس، وهو منظمة تعمل على تعزيز التنمية المستدامة في البرازيل.
وسجل سعر الذهب ارتفاعا بسبب جائحة كورونا، حيث أدرت مبيعات المعدن الأصفر سنة 2020 على البرازيل زهاء 5 مليارات دولار، وهي حصيلة تفوق بنسبة 60 في المائة تلك المسجلة سنة 2019 كما تتخطى ب 18 مرة قيمة العائدات قبل عشر سنوات.
وكشف معهد “إسكولهاس” أن جزءا من صادرات الذهب يكتنفها بعض الغموض، حيث لم يتم الإبلاغ عن 16.8 في المائة من الصادرات سنة 2020 في أي سجلات للإنتاج و 17.2 في المائة من العائدات تأث ت من نشاط التعدين غير القانوني.
وإذا ما خصمنا 91.9 طنا أنتجتها البرازيل وفقا للبيانات الرسمية، من 110.6 طنا من الذهب التي تم تصديرها في عام 2020، يتضح أن ما لا يقل عن 19 طنا تم استخراجها بطريقة غير قانونية.
وأكد مصدر في مجلس الشيوخ البرازيلي لوكالة المغرب العربي للأنباء أن الأنشطة غير القانونية تشكل تحديا رئيسيا، علاوة على كونها تؤثر على المجال البيئي وتهدد أراضي السكان الأصليين.
وأكد المتحدث أن المنقبين عن الذهب يستغلون الوجود المحدود لقوات حفظ النظام في هذه المناطق، مشيرا إلى المشاكل الصحية الناجمة عن استخدام الزئبق في عمليات الاستخراج، والذي يلوث مصادر المياه التي يستعملها السكان المحليون.
وأفاد بأن هذا النشاط غير القانوني يتسبب أيضا في فقدان الدولة لمصدر مهم من الدخل المتمثل أساسا في العائدات الضريبية.
ووفقا للمعطيات الرسمية، فإن نشاط التعدين غير القانوني يعد أحد الأسباب الرئيسية لاجتثات الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية، والتي فقدت في عام 2020 حوالي 8500 كيلومتر مربع من الغابات.
وتعد مرحلة التنقيب أول خطوة في عملية الاستخراج. وفي سنة 2020، شملت طلبات التنقيب 85 إقليما للسكان الأصليين و64 قطعة أرضية إيكولوجية.
وأثار هذا الاتجاه انتقادات ضد الرئيس جايير بولسونارو الذي اتهمته المنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي بالتساهل حيال القضايا البيئية.
ويوجد حاليا مشروع قانون اقترحته الحكومة في طور الدراسة من قبل البرلمان بهدف تحرير هذا النشاط في أراضي السكان الأصليين وتقنين عمليات الاستخراج غير القانونية التي تتم في هذه المناطق. وينظم السكان الأصليون مظاهرات منتظمة في العاصمة احتجاجا على هذا النص.
ومع ذلك، فإن الوضع ينذر بحظر فعلي، حيث إن منظمة “ماب بيوماس”، التي رصدت تطور نشاط التعدين في البرازيل بين عامي 1985 و2020، نددت بكون المساحة التي يشغلها نشاط التعدين في البرازيل ارتفعت، على مدار الـ36 عاما الماضية، بأكثر من ستة أضعاف، حيث انتقلت من 31 ألف هكتار سنة 1985 إلى 206 آلاف هكتار في 2020.
وفي ما يتعلق بالمحميات البيئية، فقد ارتفعت المساحة التي يشغلها هذا النشاط بنسبة 301 في المائة بين عامي 2010 و2020، بينما خلال هذا العقد، كانت الزيادة في التعدين غير القانوني في أراضي السكان الأصليين بلغت 495 في المائة، مما أثر بشكل أساسي على أراضي “كايابو” و “موندروكو” والمجموعات العرقية الأخرى في منطقة الأمازون.
من جهة أخرى، اتخذ التوسع في التعدين الصناعي (القانوني) مسارا تدريجيا ومستمرا بين عامي 1985 و2020 (بمعدل حوالي 2200 هكتار كل عام)، لكن في ظل ظاهرة الاستغلال غير القانوني كان الوضع مغايرا.
وبين عامي 1985 و2009، كان معدل نمو التعدين غير القانوني منخفضا (حوالي 1500 هكتار سنويا)، بيد أنه منذ عام 2010 تضاعف معدل التوسع أربع مرات ليصل إلى 6500 هكتار سنويا.
وبالتالي، فإن تحديات الاقتصاد، وقطاع التعدين والفلاحة على وجه الخصوص، تكتسي أهمية قصوى فيما يتعلق بالالتزامات البيئية، حيث تمت خلال السنوات الـ36 الماضية إزالة حوالي 820 ألف كيلومتر مربع من الغطاء النباتي، أي ما يقرب من 9.64 في المائة من الأراضي.
وليست أنشطة التعدين المسبب الرئيسي لإزالة الغابات من هذه المنطقة، بل إن إفساح المجال للزراعة ساهم أيضا في ذلك، مما جعل عملاق أمريكا اللاتينية أحد أكبر منتجي ومصدري الأغذية الزراعية في العالم.
كما أن هذا التأثير لم يكن المقوض الوحيد للتنوع البيولوجي، بل إن حرائق الغابات كان لها هي الأخرى تأثير شمل 95 في المائة من المناطق الحيوية في غابات الأمازون على مدار العشرين عاما الماضية، وفقا لدراسة نشرتها حديثا مجلة “ناتوغ” العلمية.
وتشير الأرقام إلى مزيد من الضغوط الدولية على البرازيل، التي كانت بالفعل في مرمى النيران جراء سياسات بولسونارو، والتي شهدت تعطيل اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي بسبب عدم الامتثال للالتزامات البيئية.
علاوة على ذلك، فإن هذه القضية قد تتحول إلى ساحة معركة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2022، والتي سيكون فيها الرئيس السابق لولا دا سيلفا (اليسار) المرشح الوحيد الذي سينافس الرئيس الحالي.