ثقافة

“فخّ الهويات”.. حسن أوريد يحذّر من انزلاقات الاعتراف بالذات

في كتابه “فخّ الهويات”، يضع المفكر المغربي حسن أوريد  تحت المجهر واحدًا من أعقد القضايا الفكرية والسياسية في عالم اليوم: سؤال الهوية. فمنذ انهيار السردية الشيوعية، تحوّل النقاش العالمي من الصراع الطبقي والاقتصاد إلى الثقافة والانتماء، وبرز ما يسميه أوريد “الطلب الهويّاتي”، أي ذلك السعي نحو الاعتراف بالذات. غير أن هذا المطلب المشروع ما لبث أن انزلق إلى فخّ خطير، حيث صار خطاب الهوية مصدرًا للانقسام وتهديدًا للعيش المشترك، بدل أن يكون أداة للتلاقي والتكامل.

يحذر أوريد من أن الهوية حين تُستخدم كوسيلة للإقصاء و”شيطنة الآخر” تتحول إلى سلاح يولّد هويات مضادّة، ويغذي الانقسام داخل المجتمعات، مهددًا العقد الاجتماعي. ويضرب مثالًا بما تشهده المجتمعات الغربية من احتدام بين “الأصليين” والمهاجرين المسلمين، حيث تتحول الهوية إلى واجهة ظاهرية لمشاكل سياسية وثقافية أعمق بكثير.

وبدل الاكتفاء بتشخيص الأزمة، يقترح أوريد مفهوم المواطنة كإطار جامع. فالمواطنة، كما يصفها، هي “الحضن والحصن” الذي يتيح التعددية دون أن يهدد وحدة المجتمع، ويضمن عدالة رمزية في توزيع الاعتراف والرموز، بحيث لا يشعر أي مكوّن بالتهميش أو الإقصاء.

على امتداد الكتاب، يطرح أوريد أسئلة وجودية قلقة: كيف يمكن التوفيق بين مطلب الهوية ومقتضى المواطنة؟ وكيف نؤلّف بين الخصوصية والعالمية؟ وهل تستطيع الهوية أن تتحول إلى قوة توحيد بدل أن تكون أداة للتفكك؟ ومن هذه الأسئلة ينفتح النقاش على قضايا كونية مثل الإسلاموفوبيا، عودة العرقية، خطاب ما بعد الاستعمار، الاستبدال الكبير، والمجتمع “الأرخبيلي”. كلها مظاهر لخطاب هوياتي يهدد بأن يتحول من جسر للتلاقي إلى هاوية للفصل والاقتتال.

وراء هذا العمل يقف مسار مفكر بارز خبر السياسة والفكر معًا. فـحسن أوريد، المولود في الرشيدية عام 1962، شغل مناصب رفيعة: الناطق الرسمي باسم القصر الملكي بين 1999 و2005، ثم واليًا على جهة مكناس سنة 2005، قبل أن يُعيّن مؤرخًا للمملكة ما بين 2009 و2010. وهو حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية حول الحركات الإسلامية والأمازيغية، وصاحب رصيد غني من المؤلفات الفكرية مثل عالم بلا معالم وأفول الغرب، ومن الروايات مثل رواء مكة، الموريسكي وسيرة حمار.

في المحصلة، يقدم كتاب “فخّ الهويات” تشخيصًا دقيقًا لانزلاقات خطاب الهوية، ويحذر من تحوله إلى أداة إقصاء وهدم، في مقابل طرح المواطنة كبديل جامع يضمن التنوع ويصون الوحدة. وهو بذلك يساهم في النقاش العمومي حول العدالة الرمزية والتعايش في عالم يزداد انقسامًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية − خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض